النفط يفقد بريقه.. ليبيا بين تقلبات الأسواق وتحديات الاعتماد الأحادي

شهدت الأسواق العالمية خلال الفترة الأخيرة تراجعا ملحوظا في أسعار النفط، نتيجة لتقلبات العرض والطلب وتغيرات الأوضاع الاقتصادية الدولية، ويعد هذا الانخفاض مصدر قلق خاص بالنسبة لدولة تعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية مثل ليبيا، حيث يشكل النفط العمود الفقري للاقتصاد الوطني ومصدر الدخل الرئيسي للدولة.
Sputnik
وفي ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، يطرح هذا التراجع تساؤلات حول انعكاساته المحتملة على الموازنة العامة، ومستوى المعيشة، والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
عوامل متعددة
قال الخبير الاقتصادي، محمد درميش، إن السبب الرئيسي لانخفاض أسعار النفط في الوقت الراهن يعود إلى تخمة المعروض وتراجع الطلب، لا سيما في الولايات المتحدة، إلى جانب عوامل اقتصادية وجيوسياسية متداخلة أثرت بشكل مباشر على السوق العالمية.
وأوضح درميش في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" أن من أبرز العوامل المؤثرة في تراجع الأسعار خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2025 هي عوامل العرض والطلب، حيث شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات المخزون النفطي، إذ سجلت زيادة قدرها 5.2 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، وهو ما تجاوز توقعات المحللين وأثار مخاوف من فائض في المعروض.
3 حقول عملاقة تعيد شركات النفط الكبرى إلى ليبيا
وأضاف أن تراجع الطلب الأمريكي نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي أسهم أيضًا في الضغط على الأسعار، إلى جانب قرار "أوبك" تعليق زيادة الإنتاج، والذي رغم أنه يهدف إلى ضبط السوق، إلا أن الأسواق اعتبرته مؤشرًا على وجود فائض فعلي في المعروض النفطي، ما زاد من القلق ودفع الأسعار نحو الهبوط.
كما أشار إلى أن العوامل الاقتصادية الأخرى تشمل قوة الدولار الأمريكي، إذ إن ارتفاع قيمته يجعل النفط أكثر تكلفة للمشترين من الدول الأخرى، مما يقلل الطلب العالمي، فضلا عن مخاوف من شلل حكومي محتمل في الولايات المتحدة قد يؤثر سلبًا على مستويات الاستهلاك والطاقة، ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
وفي السياق ذاته، تحدث درميش عن العوامل الجيوسياسية التي تلعب دورا كبيرا في تقلبات الأسعار، مثل استمرار الحرب في غزة، والصراع الروسي الأوكراني، واحتمال تشديد العقوبات على إيران وفنزويلا بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، وهي عوامل من شأنها التأثير على توقعات الإمدادات العالمية وزيادة حدة التذبذب في السوق النفطية.

وحول انعكاسات هذا الانخفاض على الإيرادات النفطية الليبية، قال درميش إن ليبيا تعرضت لتجارب مماثلة خلال العقود الماضية، حين وصل سعر برميل النفط في عام 1981 إلى أقل من تكلفة الإنتاج. وأضاف أن الدولة الليبية وضعت في عام 1991 خططا لتنويع مصادر الدخل القومي والابتعاد عن الاعتماد الكامل على النفط، من خلال إعداد موازنات تعتمد على سعر تقديري للبرميل عند 40 دولارا، بهدف الاستفادة من فترات ارتفاع الأسعار وامتصاص تأثير الانخفاض بخلق رأس مال عامل يدعم تنمية بدائل اقتصادية.

لكن بحسب درميش لم تستمر الدولة في تنفيذ تلك الخطط المرسومة، واستمر الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لتمويل الموازنة بنسبة تصل إلى 99 في المئة، رغم امتلاك ليبيا رأس مال عامل ومستثمر يقدر بين 200 و300 مليار دولار، إضافة إلى موارد اقتصادية متاحة وغير مستغلة.
مؤكدا على أن إعادة الدولة الليبية لتفعيل خططها السابقة وإدارة مواردها بفعالية بات أمرا ضروريا لتقليل آثار الأزمة الحالية، مشددا على أن عدم اتخاذ خطوات عاجلة سيؤدي إلى تأثر كل القطاعات العامة والخاصة، وقد يجعل ليبيا عاجزة عن تسيير شؤونها الاقتصادية.
وقال: "إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب حسن إدارة واستثمار الموارد والفرص، لأن ليبيا بفضل إمكانياتها قادرة على التكيف مع الظروف الحالية والتخفيف من حدّة تأثيرها على الاقتصاد الوطني".
تباطؤ مستمر
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة الدكتور علي الغويل، إن هناك جملة من الأسباب الرئيسية التي أسهمت في تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن هذه الأسباب تتوزع بين عوامل تتعلق بالطلب وأخرى بالعرض.
وأشار الغويل في تصريحات لـ"سبوتنيك" إلى أن ضعف الطلب العالمي يعد من أبرز العوامل، حيث تشير التوقعات إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، مما يقلّل من حاجة الدول إلى استهلاك النفط.
وأضاف أن الطلب من الصين، باعتبارها من أكبر مستوردي النفط، يشهد تباطؤا واضحًا، الأمر الذي ينعكس سلبًا على سوق الطاقة.
مؤسسة النفط الليبية توقع 4 مذكرات تفاهم مع شركة "سوناطراك" الجزائرية
ولفت إلى أن التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، تثير مزيدا من القلق بشأن ضعف الطلب العالمي، كونها تؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة والنقل وبالتالي على معدلات استهلاك النفط.
أما على صعيد العرض، أوضح الغويل أن زيادة المعروض ووفرة الإمدادات تشكل عامل ضغط آخر على الأسعار، خاصة مع إعلان بعض دول "أوبك +" وغيرها من الدول المنتجة عن نيتها زيادة الإنتاج أو تخفيف القيود المفروضة عليه، مما يؤدي إلى فائض في المعروض العالمي.

وقال الغويل إن ليبيا، بوصفها دولة تعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط كمصدر رئيسي للدخل، تقع في "دائرة الخطر" عند انخفاض الأسعار، إذ يؤدي ذلك مباشرة إلى عجز في الميزانية العامة، مما ينعكس على قدرة الدولة في تمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وشدد على أن الطريق نحو تقليل المخاطر يكمن في تنويع الاقتصاد الوطني وبناء قطاعات إنتاجية بديلة، عبر، تنمية القطاع الزراعي والاستثمار في الزراعة الحديثة والصناعات الغذائية المحلية.
وتطوير قطاع السياحة، خاصة السياحة البيئية والصحراوية، الاستثمار في الطاقة المتجددة، مستفيدين من الإمكانات الهائلة التي تمتلكها ليبيا في مجالي الطاقة الشمسية والرياح، بالاضافة إلى دعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة من خلال الحوافز الضريبية والتسهيلات التمويلية، وإصلاح منظومة التعليم والتدريب المهني وربطها بسوق العمل، مع التركيز على التخصصات التقنية التي تسهم في خلق فرص اقتصادية جديدة.
وأكد على أن التحرك نحو تنويع مصادر الدخل لم يعد خيارا، بل ضرورة وطنية لضمان استقرار الاقتصاد الليبي واستدامة التنمية في المستقبل.
مناقشة