بعد وضع مصر "خطوطا حمراء".. ما هي السيناريوهات المقبلة في الأزمة السودانية؟

بعد الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة والبيان الحاسم الذي صدر عن الرئاسة المصرية، واضعا "خطوطا حمراء" لا يمكن تجاوزها في الملف السوداني، والتلويح باتفاقية الدفاع المشترك بين القاهرة والخرطوم، أثيرت الكثير من التكهنات حول النوايا المصرية في المرحلة المقبلة.
Sputnik
يرى مراقبون أن التحذيرات المصرية واضحة بشأن وحدة السودان وسلامة أراضيه والتي تشكل عمق الأمن القومي المصري، الذي لا يمكن التنازل عنه، في نفس التوقيت يحمل بيان الرئاسة المصرية العديد من الرسائل لكل المعنيين بالملف السوداني في المنطقة والعالم، وربما تلك الرسائل المصرية ستكون دافعا كبيرا للتسوية السياسية وتحريك العالم بجدية نحو تلك الأزمة لوقف نزيف الدماء.
وحذرت الرئاسة المصرية،الخميس الماضي، من أن هناك "خطوطا حمراء" بشأن السودان، لا يمكن أن تسمح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، باعتبارها "تمس مباشرة الأمن القومي المصري".

وذكرت الرئاسة المصرية أن "القاهرة جددت التأكيد على حقها في اتخاذ كافة التدابير التي تكفلها اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء".

وأوضح البيان أن القاهرة تجدد تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تقضي بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، في إطار ما وصفته بتوجه الإدارة الأمريكية لإحلال السلام في السودان، والعمل على تجنب التصعيد وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم.
وشدد البيان المصري على أن بلاده "تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر".
ودعت القاهرة إلى الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني باعتبارها أحد أهم هذه "الخطوط الحمراء"، مؤكدة "عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان".
ولم يقف البيان المصري عند هذا الحد، بل جدد في السياق ذاته رفض القاهرة القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.
بيان من مجلس السيادة الانتقالي في السودان عن لقاء البرهان والسيسي

تهديد كبير

بداية يقول، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، الدكتور محمد صادق إسماعيل، في اعتقادي أن المسألة السودانية هي مسألة تخص الأمن القومي العربي وفي القلب منه الأمن القومي المصري.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن مسألة تأكيد مصر على وحدة واستقلال الدولة السودانية، بالقطع هو أمر حتمي، لأن أي مساس بالأمن القومي السوداني أو حتى مسألة تقسيم السودان لا يصب مطلقا في المسألة الخاصة بأمن القارة الأفريقية أو أمن شرق القارة الأفريقية أو القرن الأفريقي وفي مقدمة ذلك الأمن القومي المصري.

وتابع إسماعيل، عندما نتحدث عن أكثر من عرقية أو أكثر من نظام قبلي يحكم الدولة السودانية أو يمكن على أساسه تفتيت الدولة السودانية، أعتقد إذا حدث أو سرنا نحو ذلك يكون السودان مهددا تهديدا كبيرا جدا، لأن وحدة السودان تمثل أحد ركائز الأمن القومي أولا في القارة الأفريقية والأمن القومي العربي.

وأشار إلى أن "المسألة الخاصة بوجهة النظر المضادة وهي تفتيت السودان (التقسيم) لأكثر من دولة، كما كان يردد البعض بأنه يمكن أن تكون هناك دولة في الشرق وأخرى في الغرب، البعض كان يقول بأن هناك يمكن دولة في شرق السودان، تمثل دارفور ويحكمها طبعا الدعم السريع، إضافة إلى الدولة السودانية نفسها، أعتقد أن كل الأمور السابق ذكرها ستمثل إشكالية كبيرة بالنسبة للأمن القومي العربي".

سيناريوهات مستقبلية

وتوقع إسماعيل، أن يكون هناك "ثلاث سيناريوهات مستقبلية أساسية ستكون هي الإطار الحاكم لمستقبل السودان، أولها هو المسألة الخاصة باستمرار الوضع القائم، بمعنى أن هناك تصعيدا عسكريا ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، علاوة على أن هناك حركة من الهزائم والانتصارات لكلا الطرفين، لأنه لا يمكننا القول بانتصار أو هزيمة طرف على حساب الطرف الآخر".
واستطرد، السيناريو الثاني هو السيناريو الذي نأمله جميعا وهو السيناريو الخاص بمسألة الوصول إلى تفاهمات سياسية وحل سياسي سواء من خلال وجهة النظر العربية أو من خلال تدخل الأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى جلوس الطرفين على مائدة التفاوض والبدء في حل سياسي للمعضلة السودانية كما يقال.
ولفت إسماعيل إلى أن، "الحل الثالث أو السيناريو الثالث هو السيناريو الأسوأ والذي لا نتمنى جميعا أن يحدث وهو مسألة التصعيد العسكري المستمر وصولا إلى المسألة الخاصة بـ إصرار كل طرف على الحكم في منطقته التي يسيطر عليها، كما نرى أن هناك حكومة وحكومة بديلة، بالتالي يمكن أن يتصاعد الأمر وفقا لهذا السيناريو وصولا إلى المسار الخاص بتقسيم الدولة السودانية إلى دولتين أو ثلاث دول وهو السيناريو الذي لا نتمنى أن يحدث".
الرئاسة المصرية: وحدة السودان أحد أهم "الخطوط الحمراء" ولن نسمح بانفصال أي جزء من أراضيه

المصير المشترك

من جانبه يقول المحلل السياسي السوداني، وليد علي، التاريخ يحدثنا بوضوح كبير أن المصير المشترك لمصر والسودان هو قدر لا فكاك منه، لأن السودان ليس مجرد دولة جارة عادية فهو أرض تجمع صلات القربى والدم والثقافة عبر آلاف السنين مع مصر، ونجد أن مصر في أزهى عهودها التي تردد صدى حضارتها وقوتها وتأثيرها على البشرية، كان السودان حاضرا بقوة إلى جانبها منذ عهد التكامل المصري السوداني أيام عظمة تحتمس الثالث الأسرة الثامنة عشر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وحتى نهوض الدولة المصرية الحديثة أيام محمد علي باشا، وهذا تاريخ يتحدث عن مصير أبدي يجمع شعب واحد في بلدين.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الإعلان الأخير لجمهورية مصر العربية بأن وحدة السودان أمن قومي مصري، هو رسالة قوية للمؤسسات الدولية التي تتحرك في الملف السوداني وتحمل الرسالة عدة نقاط، منها أن الأزمة السودانية شديدة التعقيد لا يمكن حلها دون وجود الرؤية المصرية على طاولة الرباعية، أو لجنة الاتحاد الأفريقي أو مباحثات الاتحاد الأوروبي، أو أي مبادرة مطروحة من هيئة دولية أو إقليمية.
وتابع علي، النقطة الثانية هي أن مصر لن تسمح بأي أجندة من أي جهة كانت تحمل مؤشرا لإضعاف وتقسيم السودان، لأن ذلك سوف يؤثر على الأمن القومي المصري وأمن البحر الأحمر وشرق أفريقيا، وهذا لا يعني أن مصر سوف تتدخل عسكريا في السودان، ولكن يعني سوف تمنع التدخل العسكري لأي جهة أخرى بكل صرامة.

الإنذار المصري

وأشار المحلل السياسي إلى أن، مصر تعتمد في خطابها الأخير الصادر عن الرئاسة المصرية، الذي نستطيع تسميته بالإنذار الصريح لجهات خارجية بعينها، حيث تعتمد مصر في هذا الخطاب على ثقلها الدبلوماسي وأهميتها الكبيرة في حفظ التوازن العالمي والإقليمي، حيث إنها اللاعب الأبرز في تهدئة قضية أزمة الشرق الأوسط وأمان طرق الملاحة الحيوية في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.

واستطرد: "هذا يدل على أن محاولة تمرير قضية تفكيك وإضعاف الجيش السوداني بحجة سيطرة الإخوان المسلمين هي مسألة مرفوضة وغير مقبولة، لأنها لا ترى دليلا على هيمنة الإخوان المسلمين على هذه المؤسسة العسكرية السودانية المهمة التي شاركت مصر في تأسيسها قبل 100 عام، وهذه رسالة قوية للولايات المتحدة الأمريكية تحديدا".

وأوضح علي، أن الرسالة المصرية تقودنا للحديث حول الصدام داخل الرباعية والحوار الساخن الذي يدور في اجتماعاتها، وأتوقع أن تتغير رؤية الرباعية للحل وتذهب في اتجاه التهدئة بين الطرفين مع بداية العام، ثم الدفع باتجاه حل توافقي بين الجيش السوداني والدعم السريع بعيدا عن سردية الإخوان المسلمين، وهذا لن يكون في صالح المعارضة السودانية المدنية بالخارج التي تتبنى أيضا طرح قضيتها بأنها تصارع تأثير الإسلاميين وتدعو العالم للتدخل في السودان بقوة لفرض حل خارجي يعيدها للسلطة، وهذا ما يبدو أنه سوف يصطدم بالموقف المصري والسعودي داخل الرباعية في مقبل الأيام مع بداية عام 2026.
مصر وأمريكا تؤكدان رفضهما أي محاولات تستهدف تقسيم السودان أو الإضرار باستقراره

تحولات كبيرة

بدوره يقول، الفريق جلال تاور، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، إن الوضع في تلك المرحلة تغير بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بالرباعية الدولية والتي كانت على مستوى المبعوثين ثم وزراء الخارجية واليوم على مستوى الرؤساء.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، خلال الأسابيع الماضية رأينا الرئيس الأمريكي ترامب يتولى الأمر كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، والأمير محمد بن سلمان قدم مبادرته كولي عهد للمملكة العربية السعودية، القاهرة نفسها على مستوى الرئيس المصري، هذه تحولات كبيرة في المشهد، الذي انتقل من مستوى المبعوثين ووزراء الخارجية إلى مستوى الرؤساء.
ويرى تاور، أن الأيام القادمة قد تحمل جديدا فيما يتعلق بالأزمة السودانية، هذا لا يعني أنه سوف تغلق المنابر السابقة كمنبر جدة الذي ينظر إليه كمرجعية للمبادئ التي يمكن الاحتكام إليها، وأشار إلى ذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة، ونفس هذه المبادىء أشارت إليها الرئاسة المصرية عدة مرات.
ويتوقع تاور، أن تكون هناك مبادرة جديدة لا تغفل المبادئ المتفق عليها التي تم التحدث عنها على مستوى هذه القيادات، ونتوقع أن تظهر أو تتبلور المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ومصر وتظهر خلال الأيام القليلة القادمة، ونتمنى أن تكون مرضية وتؤدي لنتائج إيجابية.

الخط الأحمر

وفي السياق ذاته قال، السفير حسام قاسم، سفير مصر السابق في السودان، في اعتقادي أن البيان الرئاسي المصري حول زيارة البرهان، كان في منتهى الجدية والقوة لوضع النقاط فوق الحروف أمام جميع الأطراف وخاصة "ميليشيا" الدعم السريع
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك"، الجديد في الموقف المصري أن القاهرة تتحدث للمرة الأولى عن خط أحمر في السودان بشكل رسمي، وأيضا لأول مرة تتحدث مصر عن معاهدة الدفاع المشترك بين مصر والسودان.
وأشار إلى أن، زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان لمصر الأخيرة، جاءت هذه المرة في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لمستقبل السودان، ولا بد في هذا التوقيت من تحرك جميع الأطراف الإقليمية للاتصال بالقوى السودانية والتعبير عن مواقفها بصراحة دون مجاملة.
مصر تؤكد ضرورة هدنة في السودان وترفض الإجراءات الإثيوبية الأحادية بشأن سد النهضة
وفي أبريل/ نيسان عام 2023، اندلعت اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، حيث يحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم لإطلاق النار.
وخرجت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى العلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكوّن العسكري، الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
واتهم دقلو الجيش السوداني بـ"التخطيط للبقاء في الحكم وعدم تسليم السلطة للمدنيين"، بعد مطالبات الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لواء القوات المسلحة، بينما اعتبر الجيش تحركات قوات الدعم السريع، "تمردا ضد الدولة".
وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص بعضهم إلى دول الجوار، كما تسببت بأزمة إنسانية تعد من الأسوأ في العالم، بحسب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
مناقشة