بـ300 مؤسسة صناعية... كيف أصبحت تونس ثاني أكبر مصنع لمكونات السيارات في أفريقيا؟
10:45 GMT, 21 ديسمبر 2025
مريم جمال
مراسلة "سبوتنيك" في تونس
نجحت تونس في تبوؤ المرتبة الثانية بأفريقيا بصناعة مكونات السيارات، خلف المغرب مباشرة، مرسخة مكانتها كمزود أساسي لعدد من كبرى شركات تصنيع السيارات في السوق الأوروبية، التي تمثل الوجهة الرئيسية للصادرات التونسية في هذا المجال.
Sputnikوبحسب أرقام وزارة الصناعة التونسية، تضم منظومة صناعة مكونات السيارات في تونس اليوم نحو 300 مؤسسة صناعية تعمل في تصميم وإنتاج أجزاء وتجهيزات السيارات، وتوفر العمل لما يقارب من 120 ألف موطن، موزعة بين منشآت إنتاجية في محافظات عدة مثل بن عروس وسوسة ونابل وبنزرت (شمالي البلاد).
ويعد هذا القطاع من أكثر القطاعات الصناعية نموا في البلاد، إذ بلغت قيمة الإنتاج السنوي نحو 10 مليارات دينار تونسي (ما يعادل 3.4 مليار دولار)، مع صادرات تجاوز 9 مليارات دينار موجّهة بالأساس إلى الأسواق الأوروبية.
كما يسهم القطاع بما يقارب 4% من الناتج الداخلي الخام التونسي، ما يجعله حلقة رئيسية في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التوازنات الاقتصادية.
ولا يخفي خبراء الصناعة التونسية طموحهم في مضاعفة صادرات القطاع خلال السنوات المقبلة، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى إمكانية بلوغ صادرات مكوّنات السيارات أكثر من 13 مليار دينار (4.4 مليار دولار) بحلول عام 2027، مع خلق مزيد من فرص العمل وتوسيع قاعدة المستثمرين، في ظل تخطيط لاستقطاب استثمارات في تكنولوجيات السيارات الكهربائية والذكية.
تراكم الخبرة مفتاح الريادة
وفي تصريحات لـ"سبوتنيك"، أكد الخبير في قطاع ميكانيك السيارات، غازي بن صربة، أن "النجاح التونسي في صناعة مكونات السيارات ليس وليد السنوات الأخيرة، بل هو نتيجة مسار تاريخي متراكم يمتد لأكثر من 3 عقود".
واعتبر أن "تونس راكمت خبرة صناعية حقيقية منذ التسعينات، ما مكّنها من التحول تدريجيا إلى فاعل رئيسي في هذا القطاع على المستوى الأفريقي وحتى العالمي".
وأوضح بن صربة أن "نهاية التسعينيات شكّلت محطة مفصلية، مع دخول شركات عالمية كبرى".
وأضاف أن هذه الاستثمارات "لم تقتصر على الإنتاج فقط، بل لعبت دورا محوريا في نقل التكنولوجيا وتطوير المهارات، وهو ما سمح بارتفاع مستوى جودة المكونات المصنعة محليا".
ويرى الخبير أن "رأس المال البشري يظل العامل الحاسم في هذا النجاح"، مشيرًا إلى أن "الجامعات التونسية تخرّج سنويا نحو 30 ألف مهندس، نسبة هامة منهم مختصون في التكنولوجيا، الرياضيات، والاختصاصات الهندسية الدقيقة، التي تتطلبها صناعة مكونات السيارات".
واعتبر المتحدث أن "تونس لا تنافس أفريقيا فقط، بل تزاحم عددا من الدول الصناعية الكبرى من حيث مستوى تكوين المهندسين".
وأشار الخبير إلى أن "القطاع يضم اليوم أكثر من 300 شركة، حوالي 70% منها مؤسسات مصدرة كليا، وهو ما يفسر قوة التموقع التونسي في الأسواق الخارجية"، وأضاف أن "البلاد تطمح إلى رفع الطاقة التشغيلية للقطاع بنحو 30 ألف موطن شغل في أفق 2027، في ظل الطلب المتزايد".
وفيما يتعلق بالوجهات، أوضح غازي بن صربة أن "الصادرات التونسية من مكونات السيارات تتجه أساسا نحو أوروبا، حيث تستحوذ ألمانيا على نحو 37% منها، تليها فرنسا بأكثر من 21%، ثم رومانيا بنسبة 12%، وإيطاليا بـ11%، وبولونيا بـ5%، إلى جانب أسواق أخرى"، ولفت إلى أن "جودة المنتج التونسي أصبحت علامة فارقة، إذ نجد اليوم مكونات سيارات تحمل عبارة "صنع في تونس" داخل كبرى العلامات العالمية على غرار مجموعة "فولكس فاجن".
وأكد بن صربة أن "تونس تصنع طيفا واسعا من مكونات السيارات، من شبكات الأسلاك والمكونات الإلكترونية المتقدمة، إلى الكماليات مثل المقاعد والأجزاء البلاستيكية ولوحات القيادة، إضافة إلى القطع الميكانيكية".
كما شدد على أن "انخراط المصانع التونسية في تصنيع مكونات السيارات الكهربائية والهجينة يعكس قدرة البلاد على مواكبة التحولات العالمية، ويعزز موقعها كقوة صناعية صاعدة في هذا القطاع الاستراتيجي".
من جانبها، اعتبرت رئيسة الجمعية التونسية لصناعة مكونات السيارات، مريم اللومي، أن "هذا القطاع من أكثر القطاعات ديناميكية في المشهد الاقتصادي ويعدّ أحد محركات الاقتصاد التونسي، لما يوفره من قيمة مضافة عالية وقدرته على دفع الاستثمار والتشغيل والتصدير في آن واحد".
وأوضحت اللومي في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن "نجاح تونس في هذا القطاع لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة مسار تراكمي قائم على ثقة المستثمرين في المنظومة الصناعية المحلية وفي الكفاءات التونسية"، مشيرة إلى أن "تونس شهدت، في السنوات القليلة الماضية، دخول شركات كبرى في مشاريع استثمارية داخل البلاد، شملت توسعة وحدات إنتاج قائمة وإحداث مصانع جديدة".
ولفتت إلى أن "ثلثي هذه الاستثمارات تعلقت بتوسعة أنشطة موجودة، وهو ما يعكس استقرار الشركات المنتصبة ورهانها المتواصل على تونس، إلى جانب مشاريع جديدة كليا".
وبحسب رئيسة الجمعية، فإن "هذه الديناميكية الاستثمارية ساهمت بشكل مباشر في تعزيز موقع تونس كمزوّد أساسي لمكونات السيارات الموجّهة للتصدير، خاصة نحو السوق الأوروبية"، مؤكدة أن "الشركات المنتصبة في تونس تعتمد أحدث التقنيات الصناعية وتستجيب لمتطلبات الجودة الصارمة، ما مكّنها من التموقع ضمن أبرز مصدّري مكونات السيارات على الصعيد القاري".
وأضافت اللومي: "انخراط المؤسسات التونسية في مواكبة التحولات التكنولوجية العالمية، لا سيما فيما يتعلق بتطوير مكونات السيارات الكهربائية والهجينة، عزز تنافسية القطاع ووسّع آفاقه"، مشيرة إلى أن "هذا التوجه ساعد تونس على تثبيت مكانتها في سوق يشهد تحولات متسارعة على المستوى الدولي".
وفي تصريحات لـ"سبوتنيك"، اعتبر الخبير في قطاع السيارات سليم حكيم، أن "نجاح تونس في التحول إلى ثاني أكبر مصنع لمكوّنات السيارات في أفريقيا، يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة التي منحتها أفضلية تنافسية واضحة، مقارنة بعدد من الدول الأفريقية".
وقال إن "تونس اختارت منذ وقت مبكر الاندماج في سلاسل القيمة العالمية عبر مكوّنات دقيقة وعالية الجودة، وهو خيار استراتيجي أثبت نجاعته".
وأوضح حكيم "أحد أبرز عناصر القوة يتمثل في الكفاءات البشرية، إذ تتوفر تونس على قاعدة مهمة من المهندسين والتقنيين المتخصصين في الكهرباء الصناعية، الميكاترونيك والإلكترونيات، وهي اختصاصات تشكل العمود الفقري لصناعة مكونات السيارات".
وأضاف أن "الشركات الأوروبية تبحث اليوم عن الجودة والاستقرار أكثر من البحث عن اليد العاملة الرخيصة فقط، وتونس استطاعت أن توفر هذا التوازن".
كما أشار الخبير التونسي إلى أن "الموقع الجغرافي لتونس لعب دورا حاسما في هذا النجاح، إذ مكّنها قربها من أوروبا من الاندماج السريع في منظومات التزويد، خاصة في ظل اعتماد صناعة السيارات على منطق الإنتاج في الوقت المحدد، الذي يتطلب سرعة في التسليم ومرونة لوجستية عالية".
ولفت حكيم أيضًا إلى أن "الإطار التشريعي والحوافز الاستثمارية ساهمت في استقطاب الشركات العالمية، إلى جانب تطور البنية التحتية الصناعية والمناطق المخصصة للصناعات المصدّرة".
واعتبر أن "توجّه تونس المبكر نحو تصنيع مكونات السيارات الكهربائية والهجينة عزز موقعها في سوق يشهد تحولات كبرى"، مؤكدًا أن "هذا الاستباق هو ما جعل تونس تحافظ على تنافسيتها وتثبت مكانتها كثاني قوة أفريقية في هذا القطاع الحيوي".
وتسعى تونس، في المرحلة الراهنة، إلى تعزيز الوزن الاقتصادي لقطاع صناعة مكونات السيارات، من خلال رفع مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي، لتصل إلى نحو 20% بحلول سنة 2035، ومضاعفة قيمة صادرات هذا القطاع الحيوي بهدف بلوغ نحو 36 مليار دينار في أفق السنة ذاتها.