ونقلت صحف تركية عن إعلام إسرائيلي قوله، إن قائد القوات الجوية الإسرائيلية تومر بار، التقى بضباط من القوات الجوية اليونانية والقوات الجوية بقبرص خلال اجتماع يهدف لتقليل نفوذ تركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط.
وأقيم الاجتماع في قبرص، بأجواء تتشارك فيها الدول الثلاثية مخاوف بشأن تعزيز الوجود التركي في المنطقة وخصوصا سوريا، فيما تخشى إسرائيل من النفوذ التركي المحتمل في قطاع غزة، ضمن قوة الاستقرار الدولية المقترحة.
وفي ظل عدم التأكيد الإسرائيلي، تظل التجاذبات بين إسرائيل وتركيا مستمرة في ساحات متعددة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن إمكانية نجاح تل أبيب في "حصار أنقرة"، عبر تدشين هذا التعاون مع قبرص واليونان.
نفوذ متصاعد
قال الدكتور مختار غباشي، الأمين العام لمركز "الفارابي" للدراسات السياسية، إن الأحاديث المتداولة بشأن بحث إسرائيل إنشاء قوة استجابة سريعة بالتعاون مع اليونان وقبرص لا تزال في طور التفكير والبحث الإسرائيلي، ولم تنتقل إلى حيز التنفيذ أو الحقيقة الواقعة حتى الآن.
وأكد في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التوجه إلى استغلال فجوة الخلاف اليوناني التركي، وتحديدًا فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وما تبعه من غضب في أثينا نتيجة الصراع على السيطرة على بعض الجزر وحقول الغاز في منطقة شرق المتوسط.
وأضاف أن هناك حالة من الانزعاج الإسرائيلي بسبب التواجد الاستراتيجي التركي داخل الساحة السورية، وهو ما تراه تل أبيب مهددا لمصالحها، لافتا إلى وجود قلق إسرائيلي متزايد من الإصرار التركي على الانخراط في قوة الاستقرار الدولية المزمع تشكيلها داخل قطاع غزة، خاصة في ظل وجود موافقة أمريكية أو شبه موافقة على هذا الدور التركي.
وأشار غباشي إلى أن هذه الملفات المتشابكة دفعت الجانب الإسرائيلي للتفكير في بناء تفاهمات واسعة مع قبرص واليونان تصل إلى حد التنسيق العسكري لمجابهة التحركات التركية في المنطقة، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن هذه التحركات لن تنجح في تحجيم دور أنقرة التي أصبحت رقماً صعباً في معادلات المنطقة.
وأوضح أن تركيا أثبتت حضورها القوي في الملفين السوري والفلسطيني، مشددا على أن الرئيس التركي يعد أحد الشهود الأساسيين على اتفاق شرم الشيخ بجانب مصر وقطر، مما يعكس ثقل تركيا كلاعب محوري في قضايا المنطقة.
وأشار إلى أن النجاحات التي حققتها تركيا على حساب قوى دولية أخرى في المنطقة أصبحت تسبب قلقا مزمنا للجانب الإسرائيلي، مؤكدا أن تشكيل قوة استجابة سريعة أو أي تفاهمات ثلاثية لن تستطيع تقليص هذا النفوذ التركي المتصاعد.
تطويق إسرائيلي
من جانبه قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، الأكاديمي المصري والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن الإشكالية المتصاعدة في منطقة البحر المتوسط بين تركيا واليونان تمثل مشهدا تحاول إسرائيل استثماره لصالحها بشكل كبير، مشيرا إلى أن الجانب التركي يسعى منذ سنوات لتطويق إسرائيل من خلال التدخل في ملفات غزة وسوريا ومحاولة التمدد لفرض تأثيره على المشهد الإقليمي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، ترى تل أبيب في التحالف مع اليونان وقبرص ردا استراتيجيا، خاصة بعد عودة المواجهات والتوتر بسبب قرب الجزر اليونانية من الساحل التركي، واعتقاد أنقرة أنها تعرضت لظلم تاريخي، بالإضافة إلى التعقيدات المرتبطة بوضعية قبرص التركية غير المعترف بها دوليا، والنزاعات حول تقسيم المياه الاقتصادية وما تحتويه من ثروات طبيعية.
وأضاف أنور أن المشهد الحالي يعكس رغبة إسرائيلية في تطويق تركيا، بينما تسعى أنقرة في المقابل للضغط على تل أبيب ومحاولة حصارها، لافتا إلى وجود توجه في الداخل الإسرائيلي لمحاولة شيطنة القيادة التركية بهدف انتزاع تنازلات سياسية، لا سيما فيما يتعلق بصلاحيات القوات التي قد تدخل إلى قطاع غزة، وهو ما يجعل التفاوض صعبا في ظل رفع كل طرف لسقف مطالبه.
وأشار الأكاديمي المصري إلى أن هذه الأزمة تحمل أبعادا دولية معقدة، حيث تتقاطع فيها الضغوط الأمريكية مع المصالح الصينية وهواجس الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن احتمالات المواجهة، ولو عن طريق الخطأ، تظل واردة سواء في البحر المتوسط أو سوريا، وقد تتطور إلى مواجهات مباشرة أو بالوكالة لصالح القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والكتلة الشرقية.
واختتم الدكتور أحمد فؤاد أنور حديثه بربط هذه الملفات بقضايا دولية أخرى، مثل ملف فنزويلا ومن يتخلى عن حلفائه في الفناء الخلفي لواشنطن، مشددا على أن المشهد برمته متداخل ومعقد، وأن تل أبيب تبذل جهودا حثيثة للاستفادة من هذه التقاطعات لتعزيز موقفها.
قبرص واليونان
وأفادت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بأن إسرائيل تمهد لحرب محتملة مع إيران عبر إنشاء ما وصفته بـ"حدائق خلفية" إقليمية تمنحها مجالا واسعا للمناورة العسكرية.
وأوضحت الصحيفة أن تلك الحدائق الخلفية تتيح لها الاحتماء بمطارات بديلة لتقليل الخسائر المحتملة في حال شن ضربة ضد طهران، مضيفة أن التحالف مع قبرص واليونان يعد استراتيجيا.
وأشارت إلى أن اليونان تمتلك قوة جوية متطورة تشمل طائرات "F-35" و"F-16"، ما يوفر لإسرائيل إمكانيات لوجستية وعسكرية ضخمة يمكن الاعتماد عليها في حال الدخول في حرب جديدة مع إيران، ولفتت إلى أن قبرص تمتلك قوة جوية أصغر، لكنها تتمتع بقدرات قتالية ومهارات نقل عبر "المروحيات"، ما يجعلها على حد وصفها بـ "حاملة طائرات" بالنسبة لإسرائيل.