اختلالات نقدية وأزمة ثقة.. لماذا تتفاقم الأزمة الاقتصادية في ليبيا؟

تعيش ليبيا على وقع أزمات اقتصادية ومعيشية متفاقمة، انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، في ظل الارتفاع غير المسبوق لسعر صرف الدولار الذي تجاوز حاجز ثمانية دنانير.
Sputnik
ويضاف إلى ذلك استمرار أزمة شح السيولة النقدية ونقص الوقود، ما فاقم معاناة الأسر الليبية وأربك مختلف مناحي الحياة.
وبينما تتبادل الأطراف الرسمية تبرير الأسباب، تتصاعد تساؤلات الشارع حول جذور هذه الأزمات، ومسؤولية إدارتها، وإمكانية الخروج منها في ظل حالة الانقسام السياسي والمالي القائمة.

غياب الخطط الاستراتيجية

أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي محمد درميش أن الأسباب الرئيسية لارتفاع سعر صرف الدولار تعود إلى قصور مصرف ليبيا المركزي في إدارة الأزمة، وضعف التنسيق مع أدوات السياسة الاقتصادية والتجارية والمالية، إلى جانب غياب خطة استراتيجية واضحة لمتابعة تطورات السوق بشكل لحظي، ساعة بساعة ويوما بيوم، لمعالجة المشكلة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.

وقال درميش، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" إن الانقسام المؤسسي كان له تأثير كبير على معدلات الأداء الاقتصادي، إلا أن الوضع الحالي يعد أفضل مقارنة بما كان عليه قبل عام 2020، في ظل توحيد كل من مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.

وأشار إلى أن هذا التوحيد يتيح فرصة حقيقية أمام المصرف المركزي، بالتنسيق مع أدوات السياسة الاقتصادية في الشرق والغرب، لوضع ميزانية سنوية تصدر بقانون عن الجهة التشريعية المختصة، بما من شأنه التخفيف من حدة الانقسام وتعزيز الاستقرار المالي.
ماذا بعد الاجتماع التونسي المصري الجزائري بشأن ليبيا؟ هل تلوح بوادر حل توافقي؟
وفيما يتعلق بالإنفاق العام، أكد درميش أن الإنفاق الحالي بالدولار أقل مما كان عليه في سنوات سابقة، لافتا إلى أنه عند إجراء مقارنة تاريخية بحجم المصروفات خلال أعوام 2010 و2012 و2013 و2015، يتضح أن مستوى الإنفاق الراهن لا يعد مرتفعا كما يروج له.
وحول أزمة نقص الوقود في ليبيا، أرجع درميش أسبابها إلى قصور إدارة التوزيع في شركة البريقة لتسويق النفط، وعدم وجود خطة تضمن الحفاظ على مخزون أمان كاف، إلى جانب غياب برامج متابعة مدروسة على مدار أيام الأسبوع لضمان توزيع الوقود بعدالة وانتظام في جميع المحطات، مع إلزامها بالعمل على مدار 24 ساعة.
وأكد على أن الخيارات لا تزال متاحة أمام الجهات المسؤولة في ليبيا لتوحيد أدوات السياسة الاقتصادية ضمن سياسة واحدة متكاملة تشمل الجوانب النقدية والتجارية والمالية، ووضع خطة استراتيجية لمتابعة المستجدات بشكل مستمر والتعامل مع المتغيرات كمنظومة اقتصادية متناغمة، مشيرا إلى أن القضاء على هذه الإشكاليات أمر ممكن وسهل نسبيا إذا ما توفرت الإرادة، مؤكدا أن أدوات الدولة قادرة على تنفيذ ذلك.

أزمة شاملة

من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة الدكتور علي الغويل إن الأسباب الحقيقية وراء الارتفاع المتواصل في سعر صرف الدولار لا تعكس فقط اختلالات نقدية، بل تشير إلى أزمة ثقة شاملة في المنظومة الاقتصادية، موضحا أن هذا الارتفاع هو نتيجة تداخل مجموعة من العوامل الهيكلية المتراكمة.
وأضاف الغويل في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن من أبرز هذه الأسباب الإنفاق المزدوج والمرتفع بين الحكومتين، واللجوء المتزايد إلى التمويل بالعجز، إلى جانب ضعف الثقة في الدينار الليبي نتيجة غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي.
كما أشار إلى ارتفاع الطلب على الدولار مقابل شح المعروض، خاصة مع تزايد حجم الاستيراد وضعف الإنتاج المحلي.
عودة الحضور الدبلوماسي الصيني في ليبيا.. رسائل سياسية وتطلعات اقتصادية
وأضاف أن تعدد أسعار الصرف، سواء الرسمي أو الموازي أو أسعار الاعتمادات والحوالات، أسهم في خلق خلل هيكلي في السوق النقدية، فضلا عن فساد منظومة الاعتمادات ووجود سوق سوداء نشطة، وسوء التنسيق بين السياسات النقدية والمالية.

وفيما يتعلق بتفاقم أزمة السيولة، اعتبر أستاذ الاقتصاد أن الانقسام بين الشرق والغرب ووجود حكومتين، إلى جانب الانقسام السابق في المصرف المركزي، زاد من تعقيد الأزمة.

وأوضح أن طباعة العملة دون غطاء حقيقي في الشرق خلال فترة الانقسام أدت إلى تضخم نقدي غير مدعوم بقيمة حقيقية، فيما أسهم الإنفاق الحكومي غير المنضبط على المرتبات والدعم، دون وجود إنتاج مقابل، في تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، وتراكم السيولة النقدية خارج المصارف نتيجة ضعف الثقة، فضلا عن عجز المصارف عن تلبية طلبات السحب.
وعلى الرغم من أن ليبيا تعد من كبار منتجي النفط، أشار الاكاديمي الليبي إلى أنها لا تزال تعاني من نقص الوقود، مرجعا ذلك إلى تعطل مصافي التكرير المحلية، وعلى رأسها مصفاة الزاوية، إضافة إلى تنامي ظاهرة التهريب، لاسيما في ظل الأزمة الحالية التي تشهدها ليبيا، وما صاحبها من نقص في المعروض داخل محطات الوقود.
وحول الخيارات المتاحة أمام السلطات لاحتواء هذه الأزمات، تساءل أستاذ الاقتصاد عن مدى توفر حلول واقعية، مؤكدا أن الحلول موجودة لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية وتنفيذا فعليا على أرض الواقع.
وأوضح أنه على المدى القريب يمكن اتخاذ جملة من الإجراءات، أبرزها توحيد المؤسسات الاقتصادية، لا سيما المصرف المركزي ووزارة المالية، وتشديد الرقابة على منظومة الاعتمادات والتحويلات المالية، وتفعيل آليات الشفافية من خلال نشر بيانات الإنفاق العام، إلى جانب تحسين إدارة النقد الأجنبي وتبسيط الإجراءات الرسمية، وضبط توزيع الوقود وإعادة تشغيل المصافي بكفاءة وفعالية.
مناقشة