وفي السنوات الأخيرة اخترقت المرأة جدار تلك المهن الذكورية، بل وحققت فيها نجاحات كبيرة وبعضهن تفوق على الرجال.
المرأة بطبعها كائن رقيق لا يميل إلى العنف، لكن الظروف المعيشية القاسية التي تمر بها بعض الأسر دفعت المرأة إلى التخلي عن رفاهيتها وسكونها وأن تدخل إلى هذه المعترك القاسي تناطح الرجال للحصول على لقمة خبز أو علاج لأطفالها أو مساعدة زوجها أو أبيها، عملت المرأة في قيادة سيارات الأجرة والكهرباء والنقاشة والحدادة وغيرها وحققت الكثير من المكاسب في عالم لا يعترف بالضعفاء.
نماذج اليوم التي تعرضها "سبوتنيك"، هما سيدتان تعملان في مجال (النقاشة أو الدهانات) لكل منها قصة إنسانية مختلفة، لديهما إصرار على مواصلة الطريق حتى نهايته وتحقيق الأهداف..أبطال اليوم هما (أم زياد النقاشة وهاجر أشرف الشهيرة بـ الأسطى زلطة).
نقاشة السيدات
بداية تقول، أم إياد (مصر) التي تعمل منذ سنوات في مجال النقاشة "بصراحة والدي يعمل في مجال النقاشة، وأنا في سن صغيرة كنت أذهب معه إلى عمله، وبدأت أعشق هذه المهنة التي يعمل بها أبي بصورة كبيرة، وفي نفس الوقت لم أكن أتخيل أن أعمل فيه".
وأضافت في روايتها لـ"سبوتنيك"، أنه "أثناء دراستي الثانوية في مدرسة الصنايع وجدتني أختار قسم الزخرفة ولكنني لم أوفق فيه، وعندما خرجت من الدراسة تقدم لي نقاش ووافق عليه أبي، عشنا حياة طبيعية كأي أسرة، لكن بعد فترة من الزمن حدثت لنا بعض الظروف الحياتية الصعبة، هنا فكرت الوقوف بجانب زوجي وأن نكون سويا يد واحدة، عرضت عليه العمل في مجال النقاشة ورفض رفضا قاطعا في البداية، لكن نظرا للتفاهم والثقة المتبادلة بيننا ولأنه يعلم أنني أريد المساعدة من أجل الأسرة وافق في النهاية".
وتكمل أم إياد "لم تكن موافقة زوجي على العمل في سوق النقاشة بشكل عام، لكنني أقنعته بأن عملي سوف يكون مع السيدات فقط، بمعنى لو أن هناك سيدة تريد أن تعمل نقاشة في منزلها وزوجها غير متواجد أو مسافر وتخشى من دخول الرجال، مع تواجدي في المهنة هذه السيدة تستطيع الاتفاق معي على العمل الذي تريد ودون أن ترهق زوجها بالرجوع من السفر أو عدم الذهاب للعمل لكي يكون مع النقاشين من الرجال، بذلك أكون قد قمت بحل مشكلة تعاني منها الكثير من الأسر التي تريد عمل تجديدات في مقر سكنهم".
وتؤكد أم إياد، أنها "تعشق المجال جدا وفضلت العمل مع السيدات في البداية لأنني أريد النجاح، بالفعل وجدت الأمور تسير معي بشكل جيد وهناك تشجيع وتجاوب كبير، في المقابل كانت هناك فئة تنظر بصورة سلبية لعملي في النقاشة وكانت تعليقاتهم غير جيدة، كان زوجي يرافقني عند الذهاب للاتفاق على العمل وكنا نعمل سويا، كذلك الحال عندما كان زوجي يذهب للعمل لدى سيدة كبيرة تعيش بمفردها كنت أذهب معه وهذا كان يساعده في عمله، كنا نعمل سويا على العموم، لكن كانت هناك بعض الأماكن يعمل فيها بمفرده وأنا أيضا بمفردي لدى بعض السيدات، بعدها بدأت استخدم صنايعية (نقاشين) آخرين لو عندي ضغط عمل".
نساء في مهن الرجال
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
مشوار صعب
وحول العقبات التي واجهتها في رحلتها العملية في مهنة النقاشة تقول أم إياد: "صادفت الكثير من المعوقات خلال مشواري مع النقاشة، من بينها التعليقات السلبية وأن المرأة لا تستطيع العمل في تلك المهنة الشاقة، البعض لم يكن يصدق ما أقوم به حتى يروا بأم أعينهم، أيضا كان بعض الرجال يلوم زوجاتهم بأنها اتفقت مع إمرأة لتقوم بعمل النقاشة، لكن في النهاية أجد الثناء من بعض الناس الذين لم يتقبلوا ذلك في البداية، أيضا كانت هناك تعليقات من بعض النفوس المريضة ممن يعملون في تلك المهنة (لما الست تشتغل في النقاشة كدا نجلس في المنزل نعتني بالأطفال وغير ذلك)، عندما كنت أسير بزي النقاشة في الشارع تنهال التعليقات السلبية على ما أرتديه أو أحمله".
وأوضحت أم إياد، أن "الكثير من الأعمال التي قامت بها كان هناك استحسان من جانب أصحاب العمل، خاصة وأن المرأة هى ملكة البيت وغالبا ما يكون ذوقها في اختيار الألوان والديكورات أشيك بكثير من الرجل، هذا ينطبق على السيدة التي تعمل في مجال النقاشة، لذا كانت نسبة التوافق بيني وبين السيدات كبيرة جدا وممتعه، عندما أذهب واتحدث مع صاحبة المنزل، كنت أفهم جيدا ما الذي يدور في رأسها وماذا تريد، في النهاية أحقق لها ما تريد، في البداية لم أكن معروفة، مع مرور الوقت وجدت الناس هى التي تنشر إعلانات للتعريف بي على منصات التواصل الاجتماعي".
وتابعت أم إياد: "بعد سنوات من العمل بدأت الناس تعرفني في المحيط القريب، خاصة وأنا أسكن خارج القاهرة في مدينة بدر، لكن رغم زيادة مساحة انتشاري إلا أن لدي مشكلة في الوقت، لأنني ربة منزل ولدي أسرة وأطفال قد لا أستطيع في أوقات عديدة التوفيق بين زوجي وأطفالي وعملي، وبكل تأكيد عندما يكون هناك ضغط شغل لا أستطيع التوفيق بين كل هذه الأشياء، ما ساعدني على الاستمرار في المهنة حتى الآن هو زوجي المتعاون عندما أكون منشغلة يرعى أطفالنا".
نساء في مهن الرجال
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
أنا وزوجي والظروف
وعن الأسباب التي دفعتها للعمل في تلك المهنة، تقول أم إياد "بالتأكيد ليس حبي للنقاشة وحده هو الذي دفعني للعمل، لكن حدثت ظروف عائلية بأن توفى ابني بسبب ظروفنا المادية ولم نستطيع الصرف على علاجه، هذا الأمر جعلني أقرر النزول للعمل ولن أنتظر حتى تحدث الظروف مرة أخرى أو احتاج لأحد مجددا، اتفقت مع زوجي على أن نعمل سويا يد واحدة، ولم يكن مقتنعا في البداية، لكنني استطعت إقناعه بعد أن وجد تشجيع من السيدات وأيضا وجدني أقوم بعمل شىء جيد".
وعن طموحاتها في هذا المجال، تقول، أم إياد "أحاول الاستمرار في المجال رغم صعوبته، ولي هدف أتمنى تحقيقه بأن أعمل مشروع يكون متعلق بالمجال، لكن هذا يحتاج لدفعة أولى، أنا أعمل في مناطق معينة وأود الخروج للعمل في مناطق أخرى وهذا يحتاج إلى وسيلة نقل للتحرك بالأدوات، الأمر يحتاج إلى سيارة لتسهيل الوصول إلى أي منطقة، مع هذا سوف استمر حتى تحقيق حلمي.
حوادث مؤلمة
أما النموذج الثاني الذي يعمل في مجال النقاشة أيضا هي هاجر أشرف النقاشة والتي تشتهر في الوسط باسم (الأسطى زلطة)، تقول هاجر المصرية، "عندي 27 سنة، دخلت المهنة وعمري 7 سنوات كصبي نقاش، حتى وصلت لهذه المرحلة التي اتقنت المهنة بصورة كبيرة واستطيع تنفيذ أي نموذج تشطيب".
وتقول الأسطى زلطة: "تعلمت المهنة على يد والدي الذي يعمل بالنقاشة وطوال عشرون عاما وأنا أتعلم منه حتى وصلا إلى تلك المرحلة من الإتقان والتنوع والدقة في التنفيذ".
نساء في مهن الرجال
© Sputnik . AHMED ABDELWAHAB
وتابعت هاجر: أنها "لا تعمل مع أحد سوى مع والدها الذي تعلمت على يديه، وقد تعرضت قبل 10 سنوات إلى حادث مؤثر بقطع كبير في إحدى يديها، بأن قسمت كفة اليد إلى نصفين وقامت بعلاجها بعملية جراحية، لكن لا يزال فيها نوع من العجز حتى الآن، والحادثة الأخرى التي مرت بها، أنها سقطت من شرفة الدور الحادي عشر والحمد لله لا زلت على قيد الحياة، لأنني سقطت في أرض بها زروع".
وأكدت هاجر أنها مستمرة في تلك المهنة ولن تتركها، لو لم تكن تعشق تلك المهنة لتركتها منذ أول صدمة لها، فقد وضعت شرائح حديدية في كفة اليد لمدة 6 أشهر، وكنت أعمل بيد واحدة ولا زلت أعمل بها، فقد تركت دراستي منذ الصف الثاني الإعدادي لأنني لم أستطع التوفيق بين المدرسة والعمل.