سبوتنيك — عامر راشد
العدد الأول الذي أصدرته مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية الساخرة، إثر الاعتداء الدموي المدان الذي استهدف هيئة تحريرها الشهر الماضي، جاء مخيباً للآمال، بإصرار الفريق الذي حرر العدد على تكرار الإساءة للإسلام والمسلمين والنبي محمد، وتوزيع سبعة ملايين نسخة، في استغلال سيء للتعاطف الواسع مع ضحايا الاعتداء، بدل مراجعة الخط التحريري المتطرف للمجلة المتضمن مهاجمة المسلمين والإساءة لمعتقداتهم ونبيهم.
ارتفاع الطلب على مبيعات المجلة، في رقم قياسي، لم يكن يعني أن من اقتنوا عدداً منها يؤيدون الإساءة للمسلمين، وإعلان إدارة المجلة عن قرار إيقاف إصدارها، إلى أجل غير مسمى، يدخل في سياق حسابات الطفرة الكبيرة في التسويق، والتي لا يقدر أحد أنها ستستمر طويلاً، وأكثر ما يخشاه القائمون على المجلة أن تعود إلى دورية محدودة التوزيع كما كانت في السابق، 60 ألف نسخة فقط أسبوعياً، حتى لو حاولت هيئة التحرير تحقيق (خبطة) إعلامية صادمة، بنشر المزيد من الرسوم المسيئة، لأن التطرف الفكري يشكل الوجه الآخر للتطرف الإرهابي العنيف، وكلاهما يغذي بعضه الآخر.
الخطيئة التي وقعت فيها مجلة (شارلي إيبدو)، مثلها كمثل العديد من وسائل الإعلام الأوروبية الغربية، أنها حاولت أن تعمم نظرة حول الإسلام والمسلمين من خلال التسليط على النماذج المتطرفة، مثل تنظيم (القاعدة) و(داعش)، التي كان معظم ضحاياها من المسلمين أنفسهم، ونمت وترعرعت كمنتج من منتجات السياسات الأميركية والغربية في المنطقة، وتستخدم كأدوات لتبرير الحروب على دولها والتدخل في شؤونها الداخلية.
ولتصويب هذه الخطيئة يجب تصحيح زاوية النظر إلى التطرف الديني، باعتباره ظاهرة مدانة من غالبية المسلمين، وليس سمة ملازمة لهم، والتوقف عن وضع كل أتباع الديانة الإسلامية في سلة واحدة واتهامهم بالإرهاب، والابتعاد عن التعاطي مع الإسلام والمسلمين انطلاقاً من صور ومواقف نمطية مشوهة، مبعثها الجهل بالعقيدة الإسلامية المناقضة للعنف في جوهرها، بينما ينبغي إشاعة الاحترام المتبادل والحوار بين أتباع كل الديانات والثقافات.
ولعل تعليق صدور مجلة (شارلي إيبدو) يمنح هيئة التحرير فرصة لفحص الخط التحريري للمجلة، بخطوة إلى الوراء لالتقاط الأنفاس وإجراء نقد ذاتي وموضوعي للتجربة، وما حملته من أخطاء تولد خطاب كراهية ضد عموم المسلمين، جراء مفاهيم مغلوطة ومبتسرة. وهذه الخطوة تحتاج إلى شجاعة أدبية ونزاهة أخلاقية، وتحمل مسؤولية الإبداع الفكري والعمل الصحفي.
ومن العوامل التي يمكن أن تساعد على الوصول إلى تقييم صحيح إدراك أن الدين الإسلامي بات جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية الغربية، وليس غريباً عنها، وأن الهجوم على الإسلام والمسلمين دون وجه حق استعداء لمكون رئيس في تلك المجتمعات.
فعدد المسلمين في فرنسا يناهز خمسة ملايين مواطن فرنسي، بصرف النظر عن أصولهم، وفي ألمانيا قرابة أربعة ملايين، وفي بريطانيا ثلاثة ملايين، وفي هولندا مليون، ويبلغ عدد المسلمين في عموم القارة الأوروبية، بما فيها الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية، أكثر من خمسة وأربعين مليوناً، ويزداد حضورهم وتأثيرهم في مجتمعاتهم يوماً بعد يوم، فهل يمكن اتهامهم جميعاً بأنهم متطرفون وإرهابيون؟ والاتهام يصبح مستهجناً على نحو مرير عندما يتم توجيه تهمتي التطرف والإرهاب إلى أكثر من مليار ونصف المليار إنسان مسلم، يشكِّلون ما نسبته 23% من البشرية.
ولا ننسى الدور الملقى على كاهل المسلمين، لتصويب الصورة النمطية التي تعممها بعض وسائل الأعلام الغربية عنهم، بنبذ التطرف، وإدانة كل أشكال الإرهاب، الذي تمارسه مجموعات صغيرة، جهلها بالعقيدة الإسلامية والإساءة لها لا يقل عن جهل وإساءة مروجي
(الإسلاموفوبيا).
وجهة نظر موقع "Sputnik" قد لا تتوافق مع رأي صاحب المقال