وفي شهر آب/أغسطس 1941، كان الجيش السوفيتي يشارك في معارك دفاعية شرسة بالقرب من منطقة مستنقعات في ضواحي جنوب غرب لينينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً). حينها تلقى قائد طاقم دبابة ثقيلة زينوفي كولوبانوف أمراً بالصمود وعدم التراجع مهما كلف الأمر ووقف تقدم القوات النازية. وبالفعل تمركز قادة الدبابات في مواقع استراتيجية بالقرب من الطريق، بعد أن هيأوا حفراً لمدرعاتهم وقاموا بتمويهها بشكل جيد، ولم يبق على السطح سوى البرج.
وفي هذه الأثناء بعد بضع ساعات ظهرت دبابات العدو على الطريق التي كانت تسير وراء بعضها البعض وقد بدا الجنود الألمان في وضعية لا يتوقعون فيها حدوث أي هجوم، ومعظمهم كان جالس على سطح البرج.
لابد هنا من الإشارة إلى أن الجنود السوفيت عانوا أيضاً من بعض المضايقات، والحديث هنا لا يدور عن رد القوات الألمانية، وإنما تعطيل حركة البرج من كثرة القصف. وهنا أبدى سائق الدبابة نيكولاي نيكيفوروف مهارة كبيرة عندما كان يناور يمنة ويسرة من أجل أن يتمكن ملقم الدبابة وقائدها من توجيه ضرباتهم عبر البرج المعطل، وفي النهاية تم تدمير الدبابة 22 الأخيرة.
هذه المعركة الفريدة من نوعها، والتي أطلق عليها الخبراء العسكريين بمعركة دبابة واحدة ضد 22 دبابة، استغرقت أقل من ساعة تمكن خلالها طاقم الدبابة السوفيتية من توجيه 98 قذيفة ضد الدبابات الألمانية التي وجهت هي الأخرى 150 قذيفة نحو الدبابة السوفيتية. وعلى الرغم من ذلك لم تخيب الدبابة السوفيتية الآمال، لأنه لم يكن هناك أحد من طاقمها قد أصيب بجرح واحد. قد يبدو هذا النصر خيال لا يصدق، ولكنها حقيقة مدعومة بوثائق وروايات شهود العيان.
فبعد انتهاء هذه المعركة الصغيرة، قدم المصورون إلى الموقع، وقاموا بتصوير بانوراما قافلة الدبابات الألمانية المحترقة. وعن هذه المعركة كتبت الصحف العسكرية التي تعمل على الخطوط الأولى من الجبهة، وقلدت القيادة الجنود الشجعان أعلى الأوسمة، وهي بطل الاتحاد السوفييتي، ولكن كان هناك شخص لم تعرف هويته حتى الآن في مقر القيادة الذي قام بشطب هذا النوع من الأوسمة من الوثيقة، وقام بكتابة أنواع أخرى من الأوسمة أقل أهمية وهي وسام الرايات الحمراء ووسام لينين ووسام النجمة الحمراء.
نحن لا نعرف لماذا قام هذا الضابط المجهول بفعلته الظالمة هذه، ربما تذكر أنه بعد انتهاء الحرب السوفيتية الفنلندية العنيفة 1939-1940، تم تجريد كولوبانوف من جميع أوسمته، وذلك لأنه بعد أن عرف بانتهاء الحرب وإبرام معاهدة السلام، فرح كثيراُ هو وأصدقاؤه وبدأ يتآخى مع الفنلنديين، وهذا ما اعتبرته المخابرات السوفيتية جريمة، متهمة كولوبانوف بالإهمال وفقدان حس المسؤولية.
هناك ظلم آخر كان بانتظار زينوفي كولوبانوف بعد الحرب، وهو أن الجميع نسي البطولة التي قام بها طاقمه أثناء الحرب، وعندما كان يتحدث عن تلك المعركة غير المتكافئة مع دبابات العدو، لم يكن أحد يصدقه ويتساءلون كيف استطعت تدمير 22 مدرعة بدبابة واحدة؟ هذا أمر مستحيل!
وفي يوم من الأيام، طلب كولوبانوف أن يلقي كلمة خلال أعمال مؤتمر تاريخي حول الحرب، والذي ناقش فيه الخبراء دور الدبابات في المعركة الدفاعية. وبالفعل بدأ المحارب القديم بالحديث عن الموضوع، مستنداً إلى خبرته وتجربته، لكن المتحدث الذي ألقى كلمة من بعده، قال بصوت عال: "لكن يا كولوبانوف لا داعي للمبالغة". وهنا بدا كيف أن زينوفي حبس أنفاسه واعتلى المنصة ليقدم إلى الجنرال رئيس المؤتمر صحيفة مصفرّة قديمة من أيام الحرب العالمية الثانية، وقد وصفت بالتفصيل أحداث معركة كولوبانوف ونشرت صور الدبابات الألمانية المحترقة. وهنا أمر الجنرال الذي تصفح الجريدة على وجه السرعة، ذلك المشكك، وقال له اقرأ بصوت عال لكي يسمح الجميع. ولم يكد ينتهي من قراءة النص حتى وقف الحضور بشكل كامل مصفقين احتراماً وتجليلاً لقائد الدبابة السوفيتية زينوفي كولوبانوف.
وفي نهاية المطاف تمكن المحارب القديم من تحقيق العدالة، حيث قامت القيادة السوفيتية عام 1983، بتثبيت نصب تذكاري في مكان المعركة بالقرب من قرية فويسكوفيتسي، وقد نقش عليه أسماء طاقم الدبابة العظيمة، وبهذا يكون زينوفي قد حقق فوزاً آخر عندما تم الاعتراف وتخليد العمل البطولي الذي قام به طاقمه.
توفي زينوفي كولوبانوف عام 1994، بعد رحلة طويلة من النضال، حيث سطر أروع البطولة والمجد، وقام بواجبه كمحارب وقائد حتى آخر لحظة من حياته.