محذرا من اتساع نطاق الهجمات على الموروث الإنساني والحضاري للمنطقة وامتدادها، بعد فراغها من بلاد الرافدين وسورية وحضارات سومر وبابل وآشور، إلى أرض سيناء ومصر للإتيان على الحضارة الفرعونية ينتقل بعدها إلى الأراضي الليبية والمغرب العربي.
ونبه رئيس هيئة الآثار المصرية الأسبق وعميد كلية الإرشاد السياحي بجامعة مصر، د. عبدالحليم نورالدين، إلى أن تلك الهجمة التي تشنها الجماعات الإرهابية واضحة المعالم، وهدفها الحقيقي يتمثل في القضاء المبرم على "تاريخ أمة بأكملها"، مؤكدا أن "الزلزال الحقيقي بدأ منذ عام 2003 (غزو العراق) حيث انطلقت البداية من بغداد، وانصب التركيز على الحضارات الأساسية التي قامت في بلاد الرافدين (العراق)، سومر وبابل وآشور، التي هي أقدم الحضارات في تاريخ العالم القديم."
ورصد الخبير الأثري د. عبدالحليم نور الدين، في حوار خاص أدلى به لوكالة "سبوتنيك" الروسية اليوم الأحد، منهجية في الهجمات تتعمد ضرب الحضارات الأساسية في مقتل "في محاولة لطمس ملامح الحضارة التي قامت في هذه المنطقة في عصور ما قبل الديانات السماوية وكذا عصور الديانات السماويةـ وبالتالي فإن الهجمة ممنهجة ومتعمدة وواضحة الملامح".
وأعرب د. نور الدين عن أسفه الشديد للتدمير الشديد الذي لحق بالقطع الأثرية النادرة في المناطق التي احتلتها الجماعات الإرهابية، فضلا عن أعمال النهب والسرقة، لافت إلى "أنهم دمروا الكثير من التراث، وربما قاموا بسرقة القطع الذهبية خفيفة النقل، لكني اعتقد أن تلك الجماعات بشراستها وقبليتها لن يبقوا على شيء، حيث إن كل تلك القطع من عصور ما قبل الديانات السماوية، وبالتالي فهي بالنسبة لهم أصنام لابد من تدميرها، من وجهة نظرهم."
وفند الخبير الأثري نور الدين، المزاعم التي تتمسح من خلالها الجماعات الإرهابية بالإسلام لتبرير تحطيمها للتراث الإنساني بدعوى أنها "أصنام"، مؤكدا أن الإسلام لدى دخوله وانتشاره في أي دولة من الدول التي أسلمت، "لم يمس أي آثار بابلية أو آشورية أو مصرية قديمة، ولم يدمر أي شيء على الاطلاق. فعند التعامل مع هذه التماثيل ومع تراث تلك الحضارات، فإننا نتعامل معه ونقدره كتراث حضاري لا نتعبده."
وحث د. نور الدين الهيئات المعنية بحماية الآثار داخل الدول وخارجها على مستوى المنظمات الإقليمية والدولية بضرورة التحرك بجدية، داعيا إلى تحرك إقليمي دولي يشمل وزارات الآثار وكليات الآثار ووزارات الإعلام، وجامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للمتاحف، ومنظمة "الاسكوا" العربية، و"الإيسيسكو" الإسلامية، إلى ضرورة التعاون والتنسيق واتخاذ مواقف قوية في وجه أولئك الساعين إلى "تدمير التراث وطمس الهوية وإزاحة هذا التاريخ عن الأمة".
وخص جامعة الدول العربية بدور أكبر في تلك المسألة، مشددا على ضرورة وضع قضية الهجمة الشرسة على الثقافة والحضارة العربية على قمة أولوياتها وإفساح المجال لمناقشتها والتصدي لها على نطاق واسع.
وأكد أن "القضية ليست بالاستعداد عسكريا، فحسب، للتعامل مع تلك الجماعات التي انتهكت كل الحرمات والتي نجحت في كل هذا التدمير"، بل يتعين أن تتخذ جامعة الدول العربية على عاتقها التنسيق لتجمع عربي يضم مجموعة من الخبراء لمواجهة حملة "داعش" الشرسة" ضد تراث الأمة وتاريخها.
ولم يغفل الدكتور نور الدين، أهمية الدور الذي يتعين أن تلعبه منظمات المجتمع الدولي؛ كمنظمة "اليونسكو" و"المجلس الدولي للمتاحف"، ومنظمات أخرى عالمية، مؤكدا أن كلها منظمات معنية بأمر الحفاظ على التراث متوقعا دحر داعش ومخططهها "لو أن كل هذه المؤسسات الدولية احتشدت واتخذت قرارا دوليا واضحا لمواجهة داعش وإحباط مخططاتها، بغض النظر عن الاستعدادات العسكرية، معربا عن ثقته في قدرة الخبراء والمؤسسات العربية والإقليمية والدولية، متى تضافرت، على إحباط المخطط الممنهج للقضاء على تاريخ الأمة وتراثها الحضاري والإنساني.