دأبت إدارة الرئيس أوباما، خلال السنوات الأربع الماضية، على تأكيد رفض أي تدخل عسكري أميركي مباشر في سورية، حتى عندما هدَّدت بعمل عسكري، إبان أزمة مخزون الأسلحة الكيماوية السورية، حيث حرصت على توضيح أن أي ضربات ستكون محددة ومركزة، بالزمان والمكان، ولن تتطور إلى عمليات على نطاق واسع، وأن سيناريو إرسال قوات برية إلى سورية أو العراق، ليس وارداً على الإطلاق.
وبقيت واشنطن على موقفها بعد تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش)، إذ عملت كي تقتصر مهمة التحالف بحدود شن هجمات جوية على مواقع مقاتلي (داعش)، في العراق وشمال سورية، وتقديم دعم لوجستي للجيش العراقي، تدريباً وتسليحاً، واشتكى سياسيون وجنرالات أميركيون غير مرَّة من أن تركيا تريد توريط الولايات المتحدة في تدخل عسكري في سورية، وأن أنقرة غير مهتمة بمحاربة تنظيم (داعش)، بل تريد خوض حرب ضد نظام الرئيس الأسد.
ولم تغيِّر دعوات بعض الرؤوس الحامية في واشنطن، من أمثال جون ماكين وليندسي غراهام وجو ليبرمان، من المواقف المعلنة لواشنطن برفض التدخل العسكري على الأرض، رغم أن إدارة أوباما في مواقفها العملية نأت بنفسها عن دعم تسوية سياسية للصراع في سورية، وتمسكت بقراءتها الخاصة لبيان مؤتمر "جنيف1"، الخاص بالأزمة السورية، إلا أنها بدأت مؤخراً تعطي إشارات إلى تبدل في مواقفها من مبدأ التدخل العسكري، كان أكثر تلك الإشارات وضوحاً ما أعلنه منسق التحالف الدولي ضد (داعش)، الجنرال الأميركي المتقاعد جون آلن، أمام مركز أبحاث "أتلانتيك كاونسل" في واشنطن.
الجنرال آلن قال في كلمته: "لدينا مشروع واضح لتدريبهم وتجهيزهم بأحدث الأسلحة، ولكن أيضاً لحمايتهم عندما يحين الوقت"، المقصود مقاتلي المعارضة السورية، وفي إجابة على سؤال وجهه له أحد الحاضرين حول إمكانية فرض حظر جوي في بعض المناطق السورية، كجزء مما وصفه بـ"حماية مقاتلي المعارضة المعتدلة" الذين ستدربهم وتسلحهم واشنطن، أضاف آلن: "كل هذه الخيارات جارٍي بحثها.. من المهم أن لا تفكروا بأننا لن ندعم هؤلاء المقاتلين…".
ما يفهم من تصريح الجنرال آلن، ودون لبس، بدأت واشنطن بتنفيذ جدول زمني لتدخل عسكري مباشر في سورية، خطوته الأولى تدريب مقاتلي المعارضة، التي تصنف غربياً كمعتدلة، وخطوتها الثانية إدخال هؤلاء المقاتلين إلى جبهات القتال، مدعومين بحماية أميركية من الجو، ودعم لوجستي للحفاظ على المناطق التي سيسيطرون عليها.
الفكرة الأخيرة صاغها آلن بالقول: "الأهم في الجدول الزمني هو الاستعداد… والتحضير لمرحلة ما بعد المعركة، لجهة القدرة على تلبية احتياجات المناطق التي ستستعاد من (داعش)، والاستعدادات يجب أن تشمل تشكيل شرطة لضمان أمن السكان، وتعيين سلطات محلية لحكم المدينة، وتمثيل الحكومة المركزية، والاهتمام باللاجئين الراغبين بالعودة إلى ديارهم، وإعادة الخدمات العامة".
صحيح أن الجنرال آلن تحدث فقط عن المناطق التي سيطرد منها مقاتلو (داعش)، بيْد أنه كان واضحاً في التأكيد على أن الرؤية الأميركية تستهدف بسط سيطرة المعارضة عليها بالكامل، وتمكينها من تأسيس منظومة حكم لإدارتها ذاتياً، وإشارته إلى تمثيل الحكومة المركزية ليست مفهومة، على ضوء الموقف الأميركي الذي يرفض التعامل مع الحكومة السورية.
نقطة ثانية تستدعي المزيد من الحذر إزاء ما قاله الجنرال آلن، كدليل على انعطافة كبيرة في المواقف الأميركية المعلنة، فالخلاف بين واشنطن وأنقرة حول أولويات التحرك، بخصوص الملف السوري، قلصت فيه فجوة كبيرة، بعدم استبعاد فرض منطقة حظر جوي، وهو ما كانت تطالب به تركيا وترفضه الولايات المتحدة، والخلاف المتبقي، وفقاً لما هو معلن، توجيه أولوية مقاتلي المعارضة، الذين ستدربهم وتسلحهم واشنطن، لقتال تنظيم (داعش)، لكن هذه الأولوية قد تتغير أيضاً في المستقبل، أو على الأقل يمكن أن توضع على قدم المساواة مع خوض مقاتلي المعارضة معارض ضد الجيش النظامي السوري.
المهم بالنسبة لإدارة أوباما، حسبما يفهم من تصريح الجنرال آلن، أن لا تتورط الولايات المتحدة في عمليات عسكرية برية، وتدريب مقاتلي المعارضة السورية وتسليحهم سيحقق لها ذلك، وفي مرحلة ما قد لا تعارض التدخل العسكري البري من أطراف إقليمية، ستتشجع على خوضه إذا حظي بغطاء جوي، ودعم لوجستي، أميركي- أوروبي غربي.
مرَّة ثانية، إن ما كشف عنه الجنرال آلن يؤكد أن واشنطن باتت قاب قوسين أو أدنى من تدخل عسكري في سورية، بالتنسيق مع حلفاء إقليميين ودوليين، سيدفع ثمنها الشعب السوري بكل أطيافه.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)