احتفاء الكوبيين برفع اسم بلدهم عن "اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب" فرحة مستحقة، ليس فقط لأن القرار يخفف من معاناتهم الإنسانية، بل لأنه أسقط أكذوبة فاضحة من الأكاذيب الأميركية، وجور الولايات المتحدة الممارس على الشعب الكوبي، وهو يعني انتصار إرادة الحياة لدى الكوبيين على الحصار الأميركي، الذي تنطبق عليه صفة جريمة ضد الإنسانية.
غير أن رفع اسم كوبا من القائمة لا يعفي واشنطن من مسؤوليتها عن معاناة الكوبيين بفعل ما ترتب على هذه التهمة، فضلاً عن أكثر من نصف قرن من الحصار والعقوبات، ومن سخريات التصنيفات الأميركية "للدول الراعية للإرهاب" أن معاييرها تنطبق على الولايات المتحدة، أكثر من غيرها بكثير، ومراجعة السياسات والعقوبات الأميركية ضد كوبا تثبت ذلك، في قرارات صدرت عن البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، وفي رفض واشنطن الامتثال لإرادة المجتمع الدولي، الذي أدان بالأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، 23 مرّة على التوالي، الحصار الأميركي وطالب برفعه.
وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أدلى بدلوه في إسناد نص إعلان البيت الأبيض، معتبراً أن الدليل على توقف دعم كوبا للإرهاب هو أنها لم تعد تدعم ثورات مسلحة في أميركا اللاتينية، وأن العالم تغير مقارنة مع ما كان عليه قبل 33 سنة، في إشارة إلى تاريخ ابتداع إدارة رونالد ريغان ما اسمته "لائحة الدول الراعية للإرهاب"، وتصنيف كوبا كأول دولة فيها عام 1982.
ما الذي تغير؟ سؤال تهرَّب منه كيري بإيحاءات تحريفية، وكأن الولايات المتحدة أجبرت كوبا على اتباع سياسات جديدة، بافتراض أن من يستمع للخطاب الأميركي يصدق مزاعمه بخصوص اتهاماته لكوبا بالإرهاب على مدار ما يزيد عن نصف قرن. وتحريف كيري يستند إلى حقيقة أن ثمة وقائع تغيرت بالفعل، لكن في اتجاه معاكس للسياسات الأميركية، لاسيما في دول أميركا اللاتينية، التي كانت توصف لسنوات طويلة خلت بأنها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
لقد استطاعت دول أميركا اللاتينية أن تحصِّن استقلالها بشق مسار ديمقراطي تعددي، من خلال عمليات انتخابية حملت إلى سدة الحكم، في غالبية تلك الدول، أحزاباً يسارية معادية للسياسات الأميركية، ورافضة لهيمنة واشنطن ولإجراءات الحصار والعقوبات المفروضة على كوبا، وكان للتضامن الأميركي اللاتيني مع كوباً بالغ الأثر في القرار الذي انتهت إليه إدارة أوباما.
لهذا فإن الإجابة الصحيحة على السؤال المذكور هي أن الحصار لم يعد مجدياً، وصارت الخسائر المترتبة عليه في الجانب الأميركي أكبر من الفوائد المحتملة، في حين تتراجع قدرات الولايات المتحدة، على المضي بسياساتها، أمام وحدة الصف الأميركي اللاتيني، وتمسكه بوضع حد للصلف الأميركي.
وتغيَّرت أميركا اللاتينية بنضالات سلمية راكمت من خلالها الشعوب إنجازات قوضت أنظمة الحكم الدكتاتورية، الملحقة بعجلة التبعية لواشنطن، ولم تعد دولها ساحة للصراع بين جماعات مسلحة وطغم حاكمة، وثبت أن نظام الحكم في كوبا أقوى من أن تسقطه مؤامرات الاستخبارات الأميركية وإجراءات الحصار.
لكن واشنطن ما زالت تراهن على أنه بإمكانها ممارسة ضغوط على هافانا، وهو ما يفضحه حديث الرئيس باراك أوباما عن بقاء خلافات مع الحكومة الكوبية، رغم قرار شطب كوبا مما يسمى "لائحة الدول الراعية للإرهاب"، فالولايات المتحدة لا تريد إقامة علاقات ندية مع كوبا، أو مع أي دولة من دول أميركا اللاتينية، التي سيكون عليها استكمال معركة كسر هيمنة الولايات المتحدة وإنهاء كل أشكال سياساتها الجائرة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)