أصدر الملك سليمان بن عبد العزيز، مساء أمس (الثلاثاء)، مجموعة من الأوامر، أعفى بمقتضاها الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب النائب الثاني لرئاسة الوزراء، وعين الأمير محمد بن نايف خلفاً له، والأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. كما أعفى الأمير سعود الفيصل من منصبه وزيراً للخارجية، وعين مكانه السفير السعودي السابق في واشنطن عادل الجبير، بالإضافة إلى تعديلات على عدد من الحقائب الوزارية والمناصب العليا في الهيئات الحكومية والديوان الملكي.
وبهذه القرارات يكون الملك سلمان قد استكمل خطوات تثبيت وجهة نقل السلطة في المملكة من أبناء الملك عبد العزيز إلى أحفاده، والتي بدأت عملياً بتعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد، وتم تسمية هذا المنصب في أواخر عهد الملك الراحل عبد الله، وأشيع حينها أن الهدف منه التمهيد لتعيين ولده الأمير متعب، إلا أن وفاة الملك عبد الله قلبت كل الحسابات، وبدا واضحاً أن الجناح السديري، الذي ينتمي إليه الملك سلمان، بات ممسكاً بزمام أمور الأسرة الحاكمة، وجاء تعيين محمد بن سلمان ولياً لولي ولي العهد، في كانون الثاني (يناير) الماضي، ليعطي مؤشراً قوياً على أن الأمراء السديريين سيبسطون سيطرتهم التامة على مفاصل الحكم، وسيقصون من هم سواهم، وهو ما تحقق في الأوامر الملكية مساء أمس.
لذلك لم يشكل إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز والأمير سعود الفيصل من منصبيهما مفاجأة سوى من حيث التوقيت، إذ كان من المتوقع أن تستغرق العملية فترة أطول من الزمن، بعضهم كان يقدرها بسنة واحدة على الأقل، وأن يراعى وجود فاصل زمني بين استبعاد مقرن والفيصل. وهو ما أثار تساؤلات حول استعجال الملك سلمان إجراءات الانتهاء من العملية بسرعة قياسية، وتزامن الأوامر الملكية مع الحديث عن وجود خلافات واسعة داخل الأسرة الحاكمة إزاء التدخل العسكري في اليمن، وملفات أخرى، على رأسها الملف السوري.
يشار هنا إلى أن الملك سلمان بن عبد العزيز أجرى، في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، مجموعة واسعة من التغييرات الوزارية والإدارية، وصفت بأنها غير مسبوقة في تاريخ المملكة، تم من خلالها إجراء إعادة هيكلة حكومية وإدارية شملت 34 وزارة ومؤسسة عليا، وأطاحت بعدد كبير من المسؤولين المخضرمين والمتنفذين، فضلاً عن إعفاء أمراء من الأسرة الحاكمة من مناصبهم، ومنذ ذلك الحين ظل السؤال المطروح على نطاق واسع في الرياض: متى ستستكمل العملية وصولاً إلى ترتيبات جديدة في ولاية العهد؟.
الملك سلمان بن عبد العزيز أجاب على السؤال في إجراء عملي، غير أن الطريقة التي أخرج فيها الأمران الملكيان بخصوص إعفاء مقرن بن عبد العزيز وسعود الفيصل، بالقول أنه جاء استجابة لطلب كل منهما، لا يؤكد ما يضمن عدم وجود خلافات بين أجنحة الأسرة الحاكمة، وتعيين وزير للخارجية من خارج الأسرة الحاكمة، خلفاً لسعود الفيصل، ينظر إليه من قبل خبراء في الشأن الداخلي السعودي باعتباره دليلاً على صراع إقصائي حاد بين السدريين والفروع الأخرى، لاسيما أبناء الملك عبد الله، أكثر من كونه قراراً يصب في مجرى خطوات إصلاحية يراد لها أن تحد من هيمنة الأسرة الحاكمة على الوزارات السيادية، للتخفيف من الانتقادات التي توجه لها.
وعليه، من المبكر القطع بنتائج الخطوة لجهة كفايتها، أو عدم كفايتها، لحسم الصراعات بين أجنحة الأسرة الحاكمة، وتأثيرها على مدى تماسك أسرة آل سعود، في وقت تمر فيه المملكة السعودية بتحديات سياسية داخلية وخارجية كبرى، كانعكاس للأزمات التي تمر بها بلدان المشرق العربي، وأقربها وأكثرها خطورة بالنسبة ودول الخليج العربية الأزمة اليمنية وتداعياتها.
فالخطوة إذا استكملت حتى النهاية المرسومة لها ستحصر الخلافة على الكرسي الملكي بين الأمراء السديرين، مع انتهاء توارثها بين أبناء الملك عبد العزيز، حيث أنه مع إعفاء الأمير مقرن من ولاية العهد يصبح الملك سلمان آخر الملوك من أبناء الملك المؤسس، والأمير محمد بن نايف مرشح كي يكون أول الملوك الأحفاد بلا منازع.
والأشهر القريبة القادمة، وربما الأسابيع، ستبيَّن مدى قدرة الملك سلمان، والأمراء السديريين الأحفاد، على كسب معركة تثبيت انتقال الحكم بصيغته الجديدة، واحتكاره من قبل فرع من العائلة دون غيره.