وقد كتب بوتين: خدم والدي في الجيش في سيفاستوبول في كتيبة الغواصات وكان بحارا. جنَد عام 1939. وبعد عودته عمل في مصنع. وكانوا يسكنون مع والدته في بيترهوف.
وبدأت الحرب. وكان والده يعمل في مؤسسة عسكرية تعفي موظفيها من التجنيد، إلا أنه طلب الانضمام إلى الحزب ومن ثم طلب إرساله إلى الجبهة. وأرسل إلى المجموعة التخريبية التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية. وكانت مجموعة صغيرة. وقال إنها كانت تضم 28 شخصا، كانوا يوزعون في المناطق الخلفية من أجل القيام بالأعمال التخريبية، مثل تفجير الجسور وخطوط السكك الحديدية، لكنهم وقعوا في كمين على الفور بعد خيانة أحدهم. فقد ذهبوا إلى قرية، ثم خرجوا منها، وعندما عادوا مرة أخرى كان النازيون بانتظارهم. وطاردوه في الغابة، لكنه بقي على قيد الحياة لأنه اختبأ في مستنقع. وجلس هناك عدة ساعات وكان يتنفس عبر قطعة من القصب. وسمع أصوات الجنود الألمان عندما مروا قريبا منه، على بعد خطوات قليلة وسمع نباح الكلاب.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كانت بداية الخريف، ربما، أي كان الجو باردا. وما زلت أذكر جيدا كيف قال لي إن قائد مجموعتهم كان ألمانيا، لقد كان مواطنا سوفييتيا، لكنه ألماني الأصل.
والمدهش أن وزارة الدفاع قدمت لي ملف تلك المجموعة من أرشيفها منذ بضع سنوات. ويحتوي الملف على قائمة بأسماء المجموعة وأسماء أسرهم وآبائهم وسير شخصية مختصرة. نعم، 28 شخصا وعلى رأسهم ألماني، كما قال والدي.
وقد عاد من الجبهة 4 أشخاص من أصل 28 وقتل 24.
ومن ثم تم إرسالهم إلى إعادة التشكيل في الجيش. وأخبرني والدي كيف أصيب هناك. وكانت الإصابة خطيرة. وعاش طوال حياته مع شظايا في ساقه ولم يتم إخراجها. وكانت ساقه تؤلمه. إذ فضل الأطباء عدم إخراج الشظايا الصغيرة لكي لا تتحطم العظام. وحمدا لله، حافظوا على ساقه. لقد وفق بطبيب جيد. أما عن كيفية إصابته: خرج مع زميله إلى الجزء الخلفي للألمان، زحفوا، وما حدث بعد ذلك كان أمرا مضحكا ومحزنا في الآن ذاته. فقد وصلا إلى مخبأ الألمان. وقال والدي إن رجلا ضخما خرج منه ونظر إليهما. ولم يتمكنا من الوقوف لأن البندقية كانت موجهة نحوهما. وقال "نظر إلينا الرجل بعناية وأخرج قنبلة يدوية ومن ثم أخرى ورماهما علينا". الحياة بسيطة وقاسية.
وما هي المشكلة الأكبر عندما استيقظ؟ أن الشتاء قد حل وكسا الجليد نهر نيفا. وكان عليه الانتقال إلى الضفة الثانية من أجل الحصول على المساعدة والرعاية الطبية. لكنه كان عاجزا عن المشي.
وتمكن من الوصول إلى مجموعته على الجانب ذاته من النهر. لكن القليل منهم رغبوا في نقله إلى الضفة الثانية، لأن النهر كان على مرأى الجميع ويتعرض لإطلاق النار من المدفعية. وفرصة الوصول إلى الضفة الأخرى كانت ضئيلة. وتبين أن جاره في بيترهوف كان مع تلك المجموعة. وحمله جاره دون أي تفكير. وأوصله إلى المستشفى. وصلا إلى هناك على قيد الحياة. وانتظر جاره في المستشفى وتأكد من خضوعه للعملية وقال له: "حسنا، الأن أنت ستعيش وأنا ذاهب إلى الموت".
وعاد أدراجه. وسألت والدي لاحقا: "ماذا حصل به، هل قتل؟". وكان يكرر القصة مرات. كان ذلك يعذبه. إذ أنه فُقد واعتبر والدي أن جاره قتل. وجاء أبي ذات يوم إلى المنزل في الستينيات، لا أذكر العام بالضبط، فقد كنت طفلا صغيرا، جلس على الكرسي وبدأ بالبكاء. فقد التقى منقذه في المتجر في لينيغراد صدفة. دخل إلى المتجر من أجل شراء الغذاء ورآه. ويالها من صدفة أن يدخل الاثنان إلى نفس المتجر في الآن ذاته، إنها فرصة من أصل مليون. ثم جاءا إلى منزلنا وكانا يلتقيان. وكانت أمي تتحدث عن زياراتها إلى المستشفى، حيث كان والدي. وكان لديهما طفل صغير، عمره 3 سنوات. وكانت المدينة تعاني من الحصار والجوع. وكان والدي يعطيها حصته من الطعام في المستشفى. وتخبئه هي وتخرجه سرا من المستشفى من أجل إطعام طفلها. وبدأ يعاني من الإغماء في المستشفى بسبب الجوع. وأدرك الأطباء والممرضات السبب ومنعوها من الدخول.
وأخذوا منها طفلها. وقد فعلوا ذلك، كما أكدوا لاحقا، من أجل إنقاذ الأطفال من الجوع. وجمعوهم في دور الأيتام لإجلائهم دون سؤال الأهل.
وبعد الحصار، انتقل والداي إلى مقاطعة تفير، حيث ولد آباؤهما. وعاشا هناك حتى نهاية الحرب. وكانت عائلة والدي كبيرة. فقد كان لديه 6 أخوة، قتل 5 منهم. إنها كارثة للعائلة. وتوفي أهل والدتي. وولدت أنا متأخرا. فقد أنجبتني أمي في سن 41 عاما.
ولم يكن هناك أسرة لم تفقد أحدا ولم تعاني من الحزن والمصائب والمآسي، لكنهم لم يكرهوا العدو، وهذا أمر مدهش. وصراحة فأنا لا أستطيع حتى الآن فهم ذلك. وكانت أمي شخصا رقيقا وخيرا. وكانت تقول: "كيف لنا أن نكره أولئك الجنود؟ فهم أناس بسطاء وكانوا يقتلون في الحرب". شيء مذهل، نحن تربينا على الكتب والأفلام السوفييتية. وكرهنا. أما هي فلم يكن ذلك موجودا لديها. وتذكرت كلماتها جيدا "ما ذنبهم؟ إنهم عمال، مثلنا. فقط اقتادوهم إلى الجبهة".
أتذكر هذه الكلمات منذ الطفولة.