سبوتنيك- غزة — هشام محمد
ومع استمرار الإبعاد وتنصل إسرائيل من الاتفاق الذي ينص على عودتهم بعد عامين، تفاقمت أحوالهم وازدادت المعاناة وتنوعت فصولها، لتصل اليوم إلى حد منع من تبقى من أهاليهم من زيارتهم في قطاع غزة.
رغم مرور 13 عاماً على الإبعاد، لا يزال "أمل العودة" إلى الديار في بيت لحم، يراود هؤلاء الـ 26 الذين أبعدوا إلى غزة، (بينما أبعد 13 إلى دول أوروبية)، وتزوجوا فيها، وباتوا هم وعائلاتهم نحو 120 فرداً.
مرضى خطرون
ولاتزال إسرائيل تصر بعنادها المألوف على عدم مشاركة هؤلاء المبعدين أهاليهم لأي من مناسباتهم المفرحة منها والحزينة، كما يقول المبعد مجدي دعنا، الذي توفي والده العام الماضي، وحالت ظروف إبعاده من أن يتمكن من توديعه أو المشاركة في جنازته.
وبمرارة شديدة بدت على نبرته، تحدث دعنا في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية: "أمي بقيت وحيدة بعد وفاة والدي، وتقدمنا مرات عدة من أجل السماح لها بالقدوم لغزة، كي أستطيع رعايتها والاهتمام بها، إلا أن طلبنا قوبل بالرفض".
ويتساءل:" أم مريضة على الفراش لا تستطيع الحراك، ما الذي تشكله من خطر ليتم منعها من القدوم لغزة، ليرعاها ابنها الممنوع أيضاً من العودة إلى منزله في بيت لحم".
تابوت "داوود"
ولم تكن قصة دعنا هي الوحيدة، فهناك مبعدون آخرون لم يسعفهم الوقت للعودة، وغادروا الحياة، فعبد الله داوود من سكان مخيم بلاطة، الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات الفلسطينية في بيت لحم حين اجتاحتها القوات الإسرائيلية، أًبعد إلى قبرص ثم إلى موريتانيا، واستقر به الحال في الجزائر، وبعد محاولات عدة استطاع العودة إلى مسقط رأسه، لكنه "عاد تلك المرة في تابوت".
وحال المبعد فهمي كنعان، لم يكن يختلف كثيراً عن زملائه المبعدين، فوالداه كبرا في السن وباتا لا يستطيعان البقاء بمفردهما في منزلهما في بيت لحم دون رعاية.
وتقول فتحية كنعان والدة فهمي: "إنها ووالده تقدما بطلبات للسماح لهما بزيارة ابنهما وعائلته في غزة، لكنهما أبلغا عبر دائرة الشؤون المدنية الفلسطينية برفض السلطات الإسرائيلية إعطائهما تصاريح لدخول غزة".
وتتساءل: "لماذا يمنعانا من زيارة ابننا، رغم أننا كبرنا في السن، فأنا وزوجي نتجاوز سن الـ 70 عاما، ونعاني من الأمراض، ولا نستطيع البقاء وحدنا هنا؟".
مبعدو أوروبا
وتطالب والدة المبعد كنعان، خلال حديثها مع وكالة "سبوتنيك الروسية: الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) بالتدخل للسماح لأهل المبعدين بزيارتهم.
وتضيف: "يكفينا 13 عاماً من الإبعاد، صرنا خايفين نموت من غير ما نشوف أولادنا وأحفادنا".
من ناحيته، يقول المبعد فهمي كنعان، الناطق باسم المبعدين: إن واقع المبعدين صعب سواء في غزة أو الدول الأوروبية، وخاصة أن هناك حصار شديد على غزة، وفي ظل عدم السماح لأهالي المبعدين بزيارتهم منذ 13 عاماً لم نجتمع بآبائنا وأمهاتنا، وحتى المبعدين في الدول الأوروبية ممنوعون من التنقل والسفر".
ويضيف كنعان في حديثه مع "سبوتنيك": "نعيش حالة عدم الاستقرار، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية، بسبب طول أمد الإبعاد، خاصة أن الفترة كانت عامين، كما أًبلغنا عند الإبعاد، لكن للأسف نحن ندخل عامنا الرابع عشر دون أي أفق لحل القضية".
إصرار وإباء
ووجه الناطق باسم المبعدين عدة رسائل أبرزها دعوة الرئيس عباس للعمل على نقل ملف المبعدين لمحكمة الجنايات الدولية وكافة المحاكم الوطنية في العالم، لإجبار إسرائيل بالتوقف عن ممارسة سياسة الإبعاد، والسماح للمبعدين بالعودة إلى ديارهم.
كانت "قضية المبعدين" بدأت عندما شن الجيش الإسرائيلي هجوماً، عام 2002، على مدينة بيت لحم في عملية سميت إسرائيلياً "السور الواقي"، واجتاح الجيش الإسرائيلي حينها المدينة، واشتبك المقاومون الفلسطينيون مع الجيش، ومع تشديد الخناق عليهم تحصنوا داخل "كنيسة المهد"، ولم يخرجوا منها إلا بعد أربعين يوماً باتفاق ينص على إبعادهم لعامين فقط خارج الضفة الغربية.
أبعد الفلسطينيون، 26 منهم إلى غزة، و13 آخرون إلى ست دول أوروبية، وتنصلت إسرائيل بعد ذلك من الاتفاق ورفضت عودتهم، وما زالوا حتى يومنا هذا يصرون بعزة وإباء، رغم معاناتهم ومرارة الإبعاد التي يشعرون بها، "أن عودتهم حق لن يتنازلوا عنه".