في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير لعام 1969، استقبلت موسكو طواقم المركبات الفضائية السوفيتية "سويوز-4" و"سويوز-5" بعد عودتهما إلى الأرض. وجرت الأمور كعادتها، حيث جرت احتفالات رسمية في المطار، ومن ثم قدم رواد الفضاء تقريراً موجزاً لليونيد بريجنيف، وبعد ذلك استقل الجميع السيارات وتوجهوا إلى الكرملين من أجل المشاركة في مراسم تقليد الأوسمة لأبطال الفضاء.
وفي اليوم التالي، نشرت الصحف أنباء قصيرة أثارت ضجة في جميع أنحاء البلاد، تشير إلى أن مجهولا أطلق النار على سيارة رواد الفضاء بالقرب من أبواب الكرملين، علماً أنه تم القبض عليه. ولكن انتشرت إشاعات بين الناس تفيد بان الهدف الحقيقي من هذا العمل الإرهابي هو ليونيد بريجنيف، وبالفعل ثبت صحة هذه الإشاعات.
نعود قليلاً إلى الوراء، أي قبل عام من محاولة الاغتيال، حيث ظهر ضابط جديد برتبة ملازم يدعى فيكتور إيلين في إحدى الثكنات العسكرية بالقرب من مدينة لينينغراد، والتي تدعى حالياً سانت بطرسبرغ.
وبحسب قول زملاء الملازم، فإن سلوك إيلين كان غريباً منذ الأيام الأولى من الخدمة، وكان دائماً يتحدث عن أن الضباط الذين يخدمون في الدول الأفريقية بإمكانهم تنظيم والقيام بانقلابات عسكرية كل شهر تقريباً، أما في الاتحاد السوفيتي فهذا يعتبر مستحيلاً، الغريب هو أنه كان أيضاً يشعر بحسد تجاه لي هارفي أوزفلت قاتل الرئيس الأمريكي كيندي، قائلاً: "طلقة واحدة وأنت مشهوراً مدى الحياة". بطبيعة الحال كان زملاء إيلين ينصحونه مراراً وتكراراً، ويقولون له بأن مثل هذه الأفكار لن تجلب الخير له أبداً، علماً أن رفاقه لم يأخذوا كلامه على محمل الجد، وهذا أمر مؤسف لأن رغبة جامحة تولدت لديه في أن يقوم باغتيال بريجنيف.
وبعد فترة طال فيها انتظاره، شاهد الإرهابي الموكب يقترب منه، وقرر إيلين بأن بريجنيف يستقل السيارة الثانية، وعندما اقتربت منه مسك المسدسين وأطلق نيرانهما الكثيفة، متوهماً بأنه بطل من أبطال رعاة البقر، وأفرغ خلال بضع ثواني 11 رصاصة قبل أن يتمكن عناصر الأمن من إلقاء القبض عليه. بالطبع لم يتعرض بريجنيف للأذى، لأنه كان يستقل السيارة الثالثة، إلا أن نيران إيلين انصبت على سيارة رواد الفضاء، حيث أصيب أحدهم بجراح ولقي السائق مصرعه.
وجهت جملة من التهم الكبرى إلى إيلين، وكادت تودي الواحدة منها إلى عقوبة الإعدام، ولكن المجرم تمكن ليس فقط التخلص من هذه العقوبة، وإنما لم يتعرض للمحاكمة لأن الأطباء أقروا بأنه مختل عقليا. وعلى أثر ذلك، تم حبسه بشكل انفرادي في إحدى غرف مستشفى الأمراض العقلية، وأمضى هناك مدة 20 عاماً. وفي عام 1990، تم الإفراج عن إيلين الذي نشط بشكل كبير وتمكن من الحصول على رواتبه كضابط على مدى 20 عاماً بعد خروجه من المستشفى، بالإضافة إلى منزل بغرفة واحدة على حساب الحكومة في مدينة سانت بطرسبرغ، وعلى راتب تقاعدي بسبب وضعه الصحي.
وفي بداية التسعينات من القرن الماضي، وبعد سقوط النظام السوفيتي، وصف بعض الصحفيين هذا الرجل بالبطل حتى أنه كثير من الأحيان كان يعطي المقابلات الصحفية والتلفزيونية العديدة، والذي أكد فيها بأنه ليس نادماً على ما فعل باستثناء وفاة السائق، مع الإشارة إلى أن إيلين الذي فشل بمحاولة اغتيال بريجنيف يعيش بقية حياته في عزلة، وأصبح لا يثير اهتمام أحد.
ومع ذلك، يرى بعض الباحثين وجود الكثير من إشارات الاستفهام حول هذه القضية المشبوهة. فعلى سبيل المثال، كانت قيادة الثكنة العسكرية التي خدم فيها إيلين قد أبلغت، قبل يوم واحد، من محاولة الاغتيال أجهزة الأمن عن اختفاء الضابط مع مسدسين. والأمر الثاني، هو أن عم إيلين كان قد أبلغ هو الأآخر عن أن ابن أخيه سرق بزته العسكرية. ولكن الغريب أن جهاز الـ"كي جي بي" العظيم لم يحرك ساكناً، على الرغم من المعلومات التي أصبحت بحوزته، وأظهر حالة من اللامبالاة الغريبة، مما سمح للقاتل بالاقتراب من الزعيم السوفيتي. ويعزو بعض الباحثين هذا الأمر إلى وجود صراع داخل القيادة السوفيتية، فالقضاء على بريجنيف كاد ليمهد الطريق أمام منافسيه إلى السلطة. على كل حال تبقى هذه الفرضيات، في ظل غياب الأدلة، مجرد تكهنات.