اغتنم الرئيس الأميركي باراك أوباما مقابلة أجرتها معه مجلة "أتلانتك" الأميركية، بتاريخ 21/5/2015، لتوجيه رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، انتقد فيها التصريحات التي أدلى بها الأخير عشية انتخابات الكنيست، في آذار (مارس) الماضي، بشأن رفضه إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكذلك تحذيره من المشاركة الكثيفة للمواطنين العرب في الاقتراع. وأضاف أوباما بأنه سيترتب على تلك التصريحات تداعيات على السياسة الخارجية للولايات المتحدة والعلاقة بينها وبين إسرائيل.
ووضع الرئيس الأميركي انتقاداته في إطار ما وصفه بحرصه على "بقاء الدولة اليهودية الديمقراطية والحفاظ عليها"، مردفاً بأنه سيواصل توجيه المزيد من النقد إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، وإلا فإنه سيفقد مصداقيته أمام العالم، على حد قوله.
مضمون الرسالة غير مألوف في الخطاب الإعلامي الأميركي، فمن النادر أن تصدر مثل هكذا تصريحات عن رئيس أميركي، وخاصة الحديث عن تداعيات على السياسة الخارجية الأميركية، قد يفهم منها بالقراءة الحرفية أن واشنطن قد تعيد النظر في أسلوب تعاطيها مع الحكومة الإسرائيلية، وتلجأ إلى ممارسة ضغوط عليها، مثلما تفعل مع بلدان أخرى، واعتبار أنه لا بدَّ من توجيه انتقاد لنتنياهو للحفاظ على المصداقية الأميركية، من منطلق افتراض أوباما أن سياسات بلاده تاريخياً إزاء الصراع العربي والفلسطيني-
الإسرائيلي تحظى بمصداقية، وإذا ما تغاضينا عن تهافت هذا الافتراض جدلاً، تظل انتقادات واشنطن لتل أبيب غير قابلة للصرف عملياً، للعديد من الأسباب.
في المقابلة ذاتها حرص الرئيس الأميركي على تكرار التزام إدارته بما أسماه "حماية أمن إسرائيل"، والمعروف أن هذا المصطلح مطاطي، حيث تعتبر إسرائيل أن الحفاظ على أمنها يستلزم استمرارها في احتلال الأراضي الفلسطينية، وحتى اللحظة تخشى الإدارة الأميركية إعلان موقف شفاف من الاحتلال الإسرائيلي، وتقوم جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة بشن حملات ترهيب ضد أي مسؤول أميركي يتعرض سلباً للاحتلال الإسرائيلي، وآخر تلك الحملات طالت دينيس ماكدونو، كبير مساعدي الرئيس الأميركي، لمطالبته بضرورة إنهاء خمسين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، رغم أنه أكد في الوقت ذاته على أن "تكون الضوابط في أي تسوية مشددة لحماية أمن إسرائيل"، خلال كلمته أمام مؤتمر "جي ستريت"، التي تصف نفسها بأنها "جماعة ضغط ليبرالي مساندة لإسرائيل والسلام".
وما جاء في مقابلة أوباما مع مجلة "أتلانتك" يتناقض مع تأكيده في أعقاب انتخابات الكنيست الأخيرة بأن العلاقات الأميركية- الإسرائيلية ثابتة وغير قابلة للتأثر بالخلافات بين إدارته وحكومة نتنياهو، وعدم المساس بدعم واشنطن إسرائيل، بصرف النظر عن عدم رضا البيت الأبيض على تصرفات نتنياهو وائتلافه الحكومي.
وسبق للإدارة الأميركية أن أعلنت أنها بصدد عادة تقييم موقفها من عملية السلام، في تعليق لها على تصريح نتنياهو خلال حملته الانتخابية بأنه لن تقوم قائمة للدولة الفلسطينية طالما ظل رئيس حكومة، لكن لم تتخذ واشنطن أي مواقف تترجم تحذيراتها، بل وواصلت ضغطها على الفلسطينيين لمنعهم من التوجه إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة.
بالطبع ما قاله ماكدونو إيجابي، لاسيما مع تأكيد الرئيس الأميركي عليه في مقابلته مع صحيفة "أتلانتك"، لكن مرة أخرى، وبافتراض أن إدارة أوباما جادة في إحداث تغيير في سياساتها الخارجية إزاء الشرق الأوسط، إن مقياس المصداقية والجدية في التغيير مقياسه في الأفعال وليس الأقوال، بتوقف الولايات المتحدة عن توفير مظلة حماية لإسرائيل تمنع إدانة الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتحول دون تطلعات الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقوقه الوطنية الثابتة والمشروعة، وفي مقدمتها دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي.
وعندما تتوقف واشنطن عن استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد المطالب الفلسطينية المشروعة عندها يستطيع الرئيس أوباما الحديث عن التأسيس لمصداقية لطالما افتقدتها السياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.