عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ تسلمه مهام منصبه على إثقال المفاوضات مع رئاسة السلطة الفلسطينية بسلة من الشروط المتراكمة، إلى أن وصلت المفاوضات للفشل، وباعتراف الإدارة الأميركية يتحمل نتنياهو وحكومته اليمنية مسؤولية ذلك، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وأركان إدارته إلى توجيه انتقادات حادة ومباشرة له، على خلفية تصريحاته التي تعهد فيها بعدم قيام دولة فلسطينية. ورفضه لتسوية على أساس "حل الدولتين".
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفقاً لمصادر إسرائيلية مقربة منه، يسعى جاهداً في الأيام القليلة الماضية إلى جولة جديدة من المفاوضات مع الفلسطينيين، وقد اتخذ مجموعة خطوات للتخفيف من إجراءات الاحتلال بحقهم، ومستعد لـ"خطوات أخرى للتسهيل عليهم"، على حد وصف المصادر الإسرائيلية ذاتها، في تسريب لصحيفة "هآرتس" بتاريخ 25/5/2015.
وأكدت الصحيفة، نقلاً عن تلك المصادر، أن نتنياهو أعرب عن رغبته في استئناف المفاوضات بسرعة، خلال اجتماعه مع مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني، الأسبوع الماضي، وهو ما يفهم منه التخفيف من مشاعر انعدام الثقة التي يبديها الأوروبيون نحوه، ولجس نبضهم بخصوص إمكانية أن يسهموا في إقناع رئيس السلطة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
الأهم فيما نقلته صحيفة "هآرتس" أن نتنياهو اقترح أن تقتصر المفاوضات في جولتها الأولى على بحث إمكانية التوصل إلى تفاهمات بشأن حدود الكتل الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة، "التي ستضم إلى إسرائيل في إطار أي تسوية شاملة يتم التوصل إليه بين الجانبين في المستقبل"، تطبيقاً لما يسمى بـ"تبادل الأراضي"، وطرح هذا المبدأ في مفاوضات كامب ديفيد 2، وتم التوافق عليه مبدئياً لكن ثارت خلافات كبيرة حول تطبيقه، لاسيما مساحة الأراضي التي سيتم تبادلها ونوعيتها لتحقيق شرط المثل.
ماذا يريد نتنياهو من راء هذا الاقتراح، حسب المصادر المقربة منه والتي سربت وقائع لقائه مع موغريني لصحيفة "هآرتس"، كشف بنفسه عن أن ما يريده هو (إضفاء مشروعية) على الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، بموافقة الفلسطينيين على المساحة التي ستقتطع من أراضيهم وتضم إلى إسرائيل في تبادل للأراضي معها، ويقف اقتراحه عند هذه النقطة اليتيمة، حيث لا يتطرق من قريب أو بعيد للقضايا الأخرى مما يصطلح على تسميتها بـ"قضايا الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، ومنها "الحدود —القدس الشرقية- اللاجئين- المياه.. الخ".
ترجمة ما يقترحه نتنياهو كنقطة وحيدة على جدول جولة جديدة من المفاوضات اعتبار أن الاتفاق على حدود الكتل الاستيطانية يمكن أن يكون مدخلاً لتسوية مؤقتة دون سقف زمني محدد، كل ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون خلالها حزمة من الإجراءات للتخفيف من القيود المفروضة على تنقلاتهم وحياتهم، وربما إجراء تعديلات طفيفة على المنطقتين "ا" و"ب" اللتين نص عليهما تقسيم اتفاق "غزة أريحا- أولاً"، بحيث يتم توسيع الأولى الخاضعة، كما هو مفترض، للسلطة الفلسطينية أمنياً ومدنياً، والثانية المسموح للإدارات المدنية التابعة للسلطة أن تعمل فيها، مع بقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل.
ويدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل غيره أنه من المستحيل أن يوافق الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات وفق ما يطرحه، بل ويبدو ما يقترحه نتنياهو ضرباً من الفجاجة السياسية، لكنه رغم ذلك يعتقد بأنه قادر على تنفيس أجواء عدم الثقة الأوروبية تجاهه، بإثارة انطباع أنه تراجع عن معارضته لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وأن يقنع الأميركيين بتبني اقتراحه بزعم البدء بـ(قضية سهلة لبناء عوامل ثقة بين الجانبين)، وهو بهذا في حقيقة الأمر يمهد لحملة ضغوط على إدارة أوباما، التي ستدخل بعد أشهر قليلة في كوما التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة.
بالمقابل؛ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يدرك أيضاً أن ما يريده نتنياهو من المستحيل القبول به، وقد سبق أن طرح في كواليس المفاوضات وتم رفضه، وما سينتج عنه عملياً الإبقاء على تجميد المفاوضات حتى إشعار آخر، إذ أنه ليس في وارد أي فلسطيني أن يشرعن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لأنه يقوض ركناً أساسياً من أركان القضية الوطنية الفلسطينية.