تواظب وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال السنوات الثمانية الماضية، على تناول موضوع حرب ثالثة بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" اللبناني، باعتبار أن النهاية التي وضعت لحرب تموز (يوليو) عام 2006، الحرب الثانية، أبقت الباب مفتوحاً على مصراعيه لحرب قادمة، رغم أن الجبهة بقيت هادئة منذ ذلك الحين. إلا أن الأشهر القليلة الماضية حملت تغيراً كبيراً في طبيعة المواد والتقارير التي تنشرها وتبثها وسائل الإعلام الإسرائيلية، بانتقالها من مجرد تناول تحليلات سياسية وعسكرية، لا ترجح كلها انفجار الموقف، إلى نشر تقارير وأبحاث تشتمل على سيناريوهات متوقعة للحرب، إذا ما نشبت، وتقدير نتائجها.
وينظر إلى تعاطي وسائل الإعلام الإسرائيلي مع مثل هكذا تقارير وأبحاث كجزء لا يتجزأ من عملية تهيئة الرأي العام الإسرائيلي، في ظل تزايد القلق في الدوائر الرسمية الإسرائيلية من إمكانية اندلاع قتال مع "حزب الله"، سيكون أصعب وأعنف بكثير من حرب تموز (يوليو) 2006، وستصل تأثيراته إلى عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية، على نطاق واسع.
العقيد احتياط (كولونيل) في الجيش الإسرائيلي شاوول شاي، تناول ذلك في دراسة مطولة، تحت عنوان "سيناريو حرب لبنان الثالثة بين حزب الله وإسرائيل"، نشرت في "ذي جروزالم رِبورت" وترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أكد فيها أن على القيادة الإسرائيلية إعادة النظر في جهوزية الجبهة الداخلية، وتعمل على تعزيزها قدر المستطاع.
ووفقاً للسيناريو الذي يتصوره العقيد شاوول شاي، من موقعه كمدير قسم الأبحاث في "معهد السياسة والاستراتيجية التابع لمركز هرتسليا"، ونائب رئيس (2009 — مجلس الأمن القومي سابقا (2007)، قد تنفجر أعمال قتالية بقرار من قيادة "حزب الله"، وعلى حد قوله: "في الواقع، وبرغم تورطه في سورية، يواصل الحزب رصد معظم موارده لمواجهات مستقبلية مع إسرائيل. وبعد حرب لبنان الثانية، ركّز في البداية على إعادة تسلح شملت إعادة ملء ترسانة الصواريخ وكميات الذخيرة المدمرة أو التي أطلقت خلال الحرب، بالتوازي مع استيعاب أسلحة أكثر تطوراً للاستخدام في مواجهة مستقبلية.."
التقديرات الإسرائيلية لحجم الترسانة الصاروخية لـ"حزب الله"، كما يؤكد شاي في دراسته، لدى التنظيم اليوم أكثر من 100 ألف صاروخ (مقارنة بنحو 12 ألف صاروخ في 2006)، فضلاً عن طائرات بلا طيار، وأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ مضادة للطائرات وصواريخ أرض- بحر.
ويفترض العقيد شاي أن الحرب القادمة ستكون أكثر عنفاً من سابقاتها، ستدار من الطرفين بطريقة مختلفة تماماً، و"هذا يُعزى جزئياً إلى أن الحزب قد يعتمد في مواجهة مقبلة استراتيجيا مختلفة كلياً.. حيث يبدو أن التنظيم تبنّى عقيدة قتالية جديدة، انعكست في ادعاء قائده حسن نصر الله مراراً وتكراراً أنه في الحرب القادمة ضد إسرائيل، سوف يحتل مقاتلوه منطقة الجليل".
بناء على السيناريو الذي يرسمه العقيد شاي، سيحوِّل حزب الله الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى جبهة أمامية، من خلال "إطلاق عدد كبير من الصواريخ والقذائف ضد مراكز سكانية إسرائيلية، والهدف من ذلك هو نشر الفوضى في الجبهة الداخلية، وإلحاق أذى واسع المدى بها، إضافة إلى عدد كبير من الإصابات". وسوف يحاول الحزب أيضاً ضرب أهداف إستراتيجية وحيوية، مثل مصافي النفط في خليج حيفا، قواعد الجيش الإسرائيلي، وحدات قيادة القتال الجوي، المقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي في تل أبيب، محطات توليد الطاقة الكهربائية، وضخ المياه، مطار بن غوريون الدولي، ومرافئ الدولة. كما أن هناك تعاوناً بين الحزب والإيرانيين في مجال الحرب السيبرانية.
ويجب العقيد يشاي على سؤال متى يمكن أن تبدأ الحرب الثالثة بالقول: " إذا أقدم الحزب بالفعل على تبني الإستراتيجية الجديدة التي تحدث عنها نصر الله، فمن المرجح أن تبدأ أي حرب مستقبلية بهجوم مفاجئ، يشمل محاولة قوات برية تجاوز تجمعات سكانية مدنية، على الحدود مع لبنان، وإطلاق كثيف لصواريخ وقذائف ضد مراكز مدنية وأهداف إستراتيجية، والانتشار الحالي للحزب يشير إلى إمكانية إطلاق 1000 صاروخ يومياً.
وتبعاً لهذا السيناريو يرى العقيد يشاي أن يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يردّ بهجوم ساحق يلحق أذى بالغاً بالحزب، ويقصّر مدة الحرب، بيد أنه يحذر من أن الاستراتيجيات العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل في السابق لم تعد مجدية، ويؤكد بأنه في أي مواجهة مقبلة مع الحزب، سيكون على إسرائيل إعادة فحص العقيدة القتالية، ودرس خيارات إستراتيجية تنطوي على مناورة برية واسعة النطاق، وأن يكون هدف إسرائيل إحداث تغيير حقيقي في الميزان الاستراتيجي للقوى على الجبهة الشمالية.
هدفٌ فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه عام 2006، ومعظم السيناريوهات الإسرائيلية لحرب قادمة مفترضة ترى بأن الجيش الإسرائيلي سيسعى إلى تحقيقه مجدداً، لكن الغالبية الساحقة من السيناريوهات الإسرائيلية، التي تتناولها وسائل الإعلام، تنطلق من افتراض أن "حزب الله" هو الذي سيبادر إلى فتح المعركة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستبادر إسرائيل إلى الحرب من جانبها إذا أحجم الحزب عن ذلك؟
ما يستقى من التقارير والأبحاث والسيناريوهات المتداولة يجعل من إقدام إسرائيل على شن حرب على الجبهة الشمالية موضع بحث في المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية العليا، وبالتالي يتم التعامل مع حرب ثالثة كأمر لا مفر منه، ينتظر تحديد ساعة الصفر.