القاهرة — مروان عبدالعزيز
في الخامس من الشهر الجاري، خرج الناخبون اليونانيون إلى صناديق الاقتراع وقالوا في وجه الاتحاد الأوروبي "لا"، بنسبة تعدت الـ61% من أعداد الناخبين رافضين خطة الانقاذ التي طرحتها دول الاتحاد والتي تضمنت تطبيق المزيد من إجراءات التقشف على الشعب اليوناني، في الوقت الذي تعاني فيه أثينا من ديون متراكمة ثقيلة الوطأة تصل إلى نحو 240 مليار يورو بما يعادل نحو 270 مليار دولار.
صعق كهربائي
هكذا رفض اليونانيون الاستفتاء الذي دعاهم فيه رئيس وزرائهم الشاب، ألكسيس تسيبراس بالتصويت بلا، مؤكدا أن بلاده ستعبر الأزمة.
وهكذا أرادوا، منتظرين أن تتقدم حكومتهم باقتراحات ملموسة لدول الاتحاد ربما من شأنها أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد هذه البلد الساحلية، التي تعتمد في مواردها بشكل رئيسي على واردات السياحة في ظل معاناة ضخمة من ارتفاع معدلات البطالة وصلت إلى حد وجود شاب عاطل من بين كل شابين يونانيين.
ولم يكن منح مهلة جديدة لليونانيين لتقديم اقتراحات ملموسة للخروج من تلك الأزمة حتى، إن كانت ستنتهي الأحد القادم، بالأمر السهل على الأوروبيين الذين يرغبون في الحصول على أموالهم، لكن إعطاء أثينا "مهلة جديدة"، هو أمر أشبه إلى حد كبير بتعرض المريض لأجهزة "الصعق الكهربائي" داخل غرفة العناية المركزة للمرة الأخيرة، وربما سيتمكن المريض من عبور الأزمة… وربما يلقى حتفه، وفي حالتنا هذه، الحتف هو خروج اليونان من منطقة اليورو، و"السيناريو الأسود"، كما وصفه رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك.
"خروج محتمل"
ولأن الحالة عسيرة، فإن السيناريوهات التي تداولها المراقبون عديدة ومتفاوتة، ومنها، سيناريو أول ينتظر اليونان بأن تستطيع حكومة تسيبراس أن تتقدم باقتراحات "عملية وملموسة" لإجراء إصلاحات اقتصادية تدفع البلاد إلى عبور الأزمة وتمكنها من سداد الديون المستحقة عليها لصالح صندوق النقد الدولي.
وهذا سيناريو مستبعد نسبياً، وفي هذه الحالة نظرا لوجود مؤشرات، يمكن استخلاصها من تصريحات رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس، الذي قال إن بلاده ستتقدم باقتراحات كان من المقرر أن تقدم الثلاثاء، ثم عاد ليؤكد الأربعاء أن بلاده مصممة على التوصل إلى اتفاق مع الدائنين دون تقديم أي شيء ملموس يجعل قادة الاتحاد الأوروبي يغيرون من موقفهم حيال اليونان.
ومع الأخذ في الاعتبار تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الذي رفض في العديد من المناسبات في السابق التحدث عن "خروج اليونان من منطقة اليورو"، غير أنه تراجع عن موقفه هذا اليوم الأربعاء ليؤكد أمام قادة الاتحاد، أنه "لم يعد يستبعد أي احتمال".
العشاء الأخير
وبتحليل تلك العبارات يمكن التنبؤ بأن قادة الاتحاد الأوروبي لم يعد لديهم من المعلومات، أو ربما من الثقة، أصلا أن اليونان ستتمكن من تقديم شيء يجعلهم "يتناولون العشاء" مرة أخرى فوق طاولة واحدة بكامل تشكيل الاتحاد دون فقدان أحد أطرافه.
أما السيناريو الآخر، فيتمثل في عجز اليونانيين عن تقديم أي اقتراحات ملموسة أو أن يتقدموا بمقترحات لا تلقى قبولاً لدى قادة الاتحاد، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى عدم إحراز أي تقدم في المفاوضات، وبناء عليه ينكشف الوضع وتتعرض اليونان "للسيناريو الأسود"، وهو الخروج الفوضوي لليونان من منطقة اليورو، ورغم أن اليونان لا يبلغ حجم اقتصادها سوى 2% فقط من حجم الاقتصاد الأوروبي مقارنة بألمانيا التي يبلغ حجم اقتصادها 28%، فإن خروجاً فوضوياً مثل هذا لن تنعكس آثاره على اليونان فحسب، بل ستمتد تداعياته وإلى بقية بلدان الاتحاد وستبدأ في جر بقية "قطع الدومينو" بداية من الأضعف "اقتصاديا" بالطبع.
الخيار الخاطئ
بداية لا يمكن لبلدان عدة ذات اقتصادات متفاوتة الحجم والديون أن تنصهر داخل كيان اقتصادي واحد، فلا يمكن أن تعامل دولة مثل اليونان مع قلة إنتاجها وصادرتها بنفس طريقة التعامل مع دولة أخرى مثل ألمانيا لديها أقل نسبة ديون، وأقل نسبة فوائد اقتراض، إلى جانب صادرات مرتفعة جداً، فضلا عن أنها لم تعان مطلقا أي إشكاليات مع دافعي الضرائب، وهو ما قاله، العالم الاقتصادي، ميلتون فريدمان، الحائز على "جائزة نوبل" في الاقتصاد، الذي حذر مرارا من عدم جدوى "توحيد العملة" لبلدان الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أنه لن يجوز لبلدان عدة ذات احتياجات اقتصادية مختلفة أن تتبع سياسة نقدية واحدة، إلى جانب توحيد سياساتها المالية. ففي كل لحظة سيكون النقد إما متوفراً بشدة وإما شحيحا بشدة لدى بعض الأعضاء، في حين لا توجد هناك ضمانات لتحقيق التوازن.
وهو ما جعل العالم يتعامل مع دولة مثل اليونان بنفس صيغة التعامل مع دولة مثل ألمانيا إذ يجمعهما سياسة نقدية واحدة، في ظل وجودهما داخل منطقة اليورو. وهو الأمر الذي أرجعه عدد من خبراء الاقتصاد العالميين بأن دخول اليونان إلى منطقة اليورو كان "خيارا خاطئاً من الأساس".
عودة الدراخما
لكن… ماذا ستفعل اليونان إذا خرجت من منطقة اليورو؟
بات ذلك هو السؤال الأكثر الحاحا في الوقت الراهن، فعلى اليونانيين أن يبدأوا من جديد في طبع عملتهم الرسمية "الدراخما"، وأن يعيدوا "رأسملة" بنوكهم الوطنية على أساس الدراخما، وهو ما سيستدعي أن تغلق البنوك أبوابها إلى أن تعيد هذه الرأسملة مرة أخرى، مع إعادة جدولة ديونهم على أساس "الدراخما اليونانية" بمعدل أن تكون الدراخما الواحدة تساوي يورو واحد، وهو أمر سيؤدي بطبيعة الحال إلى تعويم العملة الوطنية واضطرابها وتعرضها لانخفاض كبير أمام العملات الأجنبية ومنها اليورو نفسه.
إلى جانب تعرض عدد من البنوك الفرنسية والألمانية إلى خسائر كبيرة نتيجة عدم حصولها على الديون المستحقة لدى اليونان، وكذلك عدم حصولها على فوائد القروض التي سبق أن قدمتها لليونانيين، مع وجود خطر على البنوك الإسبانية والإيطالية والبرتغالية رغم كل محاولات الإنقاذ، التي قادها البنك المركزي الأوروبي عبر شراء سندات الدين من البنوك المركزية في تلك الدول.
اللحظة الحاسمة
لكن في المقابل، ربما يكون خروج اليونان من منطقة اليورو، بمنزلة الخيار الأفضل بالنسبة لها إذا استطاعت إجراء إصلاحات اقتصادية واسعة وحقيقية ومبشرة على مدار 6 أشهر بحد أقصى، مع تعزيز وجود عملتها الوطنية أمام العملة الأجنبية، وهو الأمر الذي يمكن أن تعتمد فيه على مصدر مهم من مصادرها كالسياحة.
كما أنها ستبدأ في إعادة جدولة ديونها مرة أخرى للبنوك المقرضة على أن تدفع تلك الديون والفوائد مقومة بالدراخما، لكنه في الوقت ذاته سيعرض بنوك الاتحاد الأوروبي لخسائر فادحة نتيجة تخلف اليونان عن دفع العديد من الأموال أو سداد تلك الديون بقيم أقل مما اشترته بها، في مقابل أن تتمتع اليونان بعملة ربما منخفضة نسبياً لكنها ستدفع الصادرات إلى النمو في وجه الصادرات من بلدان الاتحاد ذات اليورو المرتفع.
إلى جانب الخوف من انتقال العدوي اليونانية الى البلدان الأخرى التي تقترب في أوضاعها من تلك الأوضاع والتي ربما تكتشف أنه ليس لديها أي شيء تخسره سوى الكثير من القيود المالية. وهي لحظة حاسمة ينتظرها عدد من البلدان في حال عجزها عن سداد ديونها أو سداد فوائد اقتراضها.
وإلى جانب الاستفتاء الذي تنتظره بريطانيا في 2017 على الخروج أو الاستمرار في منطقة اليورو، وهو الأمر الذي يزيد من مخاوف الأوروبيين بأن تنتقل عدوى "لا" اليونانية إلى بلدان أخرى، وأن ينتهي الاتحاد الأوروبي بدون تحقيق أي من الآمال التي بني من أجلها.
دولة قوية
تحدٍ كبير أمام حزب "سيريزا" اليساري، الذي جاء بأغلبية داخل البرلمان في يناير/ كانون الثاني الماضي بـ149 مقعداً من أصل 300 مقعد، ولكن ثقة اليونانيين في حكومتهم، هو ما دفعهم إلى التصويت بـ"لا" في وجه الإجراءات التقشفية، التي يحاول الاتحاد الأوروبي فرض المزيد منها، وربما يتمكن هذا الشاب الذي جاء من قلب اليسار الراديكالي اليوناني من أن يعبر ببلاده من هذه الأزمة الطاحنة، وأن يتجه بها إلى مستقبل أفضل ليقودها إلى أن أن تصبح دولة قوية اقتصادياً.
وهو ما أكدته روسيا مرار في احترامها لإرادة اليونانيين وحقهم في تقرير مصيرهم، وهو ما أعلنه الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، تعليقا على هذا الاستفتاء التاريخي، الذي أكد أن موسكو تحترم إرادة الشعب اليوناني، وأن روسيا تريد أن تتوصل اليونان إلى اتفاق سريع مع الدائنين، وتتخذ قرارات تدعم جهود تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.