دمشق- سبوتنيك- نور ملحم
رغم استمرار الأزمة ودخولها العام الخامس، وكل هذه التباينات التي يعج بها المشهد السوري، تتواصل الحياة ويفور المشهد السوري بحيوية وحركة استقبالاً وتهيؤاً بقدوم عيد الفطر الذي دائما ما يكون له وقع خاص على السوريين أهل الشام، الذين مازالوا يحلمون بغد جديد تنقشع فيها سحب الأزمة السورية وغبارها عن أكتاف الجميع وكاهلهم الذي طالما حمل الكثير.
ارتفاع فلكي
فتحت وطأة الأزمة الطاحنة، التي لم يكن أشد المتشائمين يتوقع لها أن تستمر كل هذه السنوات، انحسرت قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وضعفت قيمتها الشرائية وهزلت قدرة المواطن على تحمل أعباء الحياة في ظل ارتفاع فلكي لأسعار قفزت فيها إلى أضعاف عدة، وهجرة كبيرة للسكان من مناطق الحرب إلى المناطق الآمنة، وبطالة ترافقت مع الحروب، واختفاء الكثير من مصادر الدخل، وتوقف بعض مصادر الإنتاج عن العمل.
وفي جولة سريعة جابتها وكالة "سبوتنيك" على أسواق عديدة في مدينة دمشق مثل "الحمراء" و"الصالحية" و"الحميدية" و"الشيخ سعد" و"الجسر الأبيض"، لاحظنا أن جميع البضائع متوفرة، وبكميات كبيرة مثل؛ الألبسة بكافة أنواعها، والمصوغات الذهبية، والحلويات والخضار والفاكهة.
تواصل هذه الأسواق فتح أبوابها حتى ساعات الفجر الأولى، لتعيد بنا الذاكرة إلى ما قبل عام 2011، وما قبله، وكأن البلاد لا تعصف بها الحرب، فالازدحام الشديد يدهش الزائر والمراقب، لكنه يعكس معان كبيرة تبرهن على حب الإنسان السوري للعيش والحياة، وتأقلمه السريع مع الظروف كافة
أسعار ومواطنون
الأسعار لا تطاق وفوق طاقة معظم زوار هذه الأسواق، تقول لنا منيرة حاتم: "أنا موظفة في مصرف حكومي، وزوجي كذلك موظف، ورغم ذلك لا طاقة لنا للشراء لأن دخلنا الكامل بحدود 50.000 ألف ليرة سورية (بما يعادل 263 دولارا أمريكيا)، ولو أردت شراء ملابس لي فقط بحسب الأسعار المعروضة، لن يكفيني دخلي ودخل زوجي فمثلاً". (الدولار يساوي نحو 190 ليرة سورية في السوق السوداء)
يبلغ متوسط سعر البنطال (البنطلون) المتوسط الجودة 3500- 6000 ليرة سورية، والجاكيت النسائي 5000 — 12000 ليرة سورية والحذاء 3000- 8000، والطقم الرسمي النسائي 21000- 25000 ليرة، وحقيبة اليد 3000-9000 ليرة، وبحسبة بسيطة أجد أنني بحاجة إلى مبلغ قدره 54000 ليرة لشراء ملابس جيدة فقط، بما يعادل 284 دولار أمريكيا.
أما عماد الصائب، فيقول: أعمل في القطاع الخاص، ودخلي جيد، لكن أجد أن معظم الأسعار مرتفعة، لذا أنا بحاجة إلى عمل آخر كي أستطيع الحصول على جميع احتياجاتي المنزلية، بوجود زوجة وثلاثة أطفال؛ فمثلاً أسعار الحلويات تضاعفت، وإذا أردت شراء الحلويات ذاتها التي كنت أشتريها في العام 2010 عليَ أن أدفع ما يقرب الـ 25000 ألف ليرة، وهو فوق طاقتي حالياً، لذلك لا حل أمامي سوى تخفيض الكمية وصناعة بعض الحلويات في المنزل لتقليل الكلفة.
أكياس المتسوقين
وعلى سبيل المزاح والدعابة، يقول أحد المتسوقين في ويدعى فاروق: إذا أردت أن تعرف أحوال المتسوقين المادية دون سؤال، عليك النظر إلى أيديهم وحجم أكياسهم وصغرها وكبرها.
سوق الأحلام
وعلى الضفة الأخرى وبعيداً عن الأسواق نجد فئة جديدة من المواطنين كانت غير موجودة قبل الأزمة، وهي ما بات يعرف بـ"المهجّرين" هذه الفئة لا سوق لها سوى المساعدات التي تقدمها الدولة وبعض الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية.
هذه الفئة سوقها يأتي إلى مكان سكانها، ولا علاقة لها بالاختيار أو القرار أو التعبير عن الحاجات الحقيقية والرغبات، هنا نوع من القهر والسجن الاختياري بسبب حرب مجنونة لا ناقة لهم بها ولا جمل، وسوقهم الحقيقي هو ذهني أكثر منه عملي وواقعي، ومعظم احتياجاتهم حبيسة الخيال، من خلال الحلم بها وتخيلها.
"أنشودة العوز"
وفئة قليلة من أسر "المهجرين" نشرت أطفالها على إشارات المرور وفي الحدائق العامة، وفي الطرقات مع ترديد كلمات أغنية حزينة ومأساوية باتت معروفة في الشارع السوري:
"من مال الله يا محسنين، مهجر وبيتي مهدم، بدي ثمن ربطة خبز وحليب لابني، عايش بالحديقة ومالي غيرك يا محسن، حسنة قليلة تدفع بلاءً كبيراً".
يأتي العيد هذا العام حاملاً معه أماني الشعب السوري المختلفة، قد تكون هذه الأماني متناقضة ومتضادة، ما بين منطقة وأخرى، ولكن هناك حلما ضمنياً يحلم به كل سوري؛ أن يأتي العيد القادم، ويكون غبار الأزمة السورية قد انقشع عن أكتاف وكاهل الجميع، وأن تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية، وأن ترتسم البسمة على شفاه جميع أطفال سورية، وأن يعن الحلم مجدداً بغد أفضل ومزدهر للجميع.