قامت العقيدة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على ثلاثة عناصر رئيسية مترابطة، "الإنذار المبكر والردع والحسم"، بالإضافة إلى مجموعة عناصر مكملة من بينها، وفقاً للباحث الإسرائيلي تشاك برايلخ المختص بالقضايا الأمنية، "نقل المعركة إلى أراضي الخصم، وخوض حروب قصيرة، وعلى الصعيد الاستراتيجي الحاجة إلى علاقات قوية مع دولة عظمى واحدة على الأقل وخوض الحرب بدعم منها، وتجنيد أفضل الموارد الوطنية من أجل الأمن، وبناء الدولة وضمان أغلبية يهودية…".
إلا أن تلك العقيدة مقدمة على تعديلات جوهرية جراء تغيرات في البيئة الاستراتيجية لصالح إسرائيل، بتفكك الجبهة العسكرية الشرقية نتيجة ما لحق بالجيشين السوري والعراقي، قلل من فرص قيام مواجهات عسكرية مع الجيوش النظامية العربية، وتضاءلت ما كانت تعتبره إسرائيل المخاطر التقليدية، وباتت الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية تركز في خطابها الإعلامي على ما تسميه بـ(مخاطر نزع الشرعية عن إسرائيل والميزان الديموغرافي مع الفلسطينيين).
ويلفت الباحث تشاك برايلخ إلى أن إدخال تعديلات في العقيدة العسكرية والأمنية الإسرائيلية مسألة راهنة لا تفرضها فقط التغيرات في البيئة الاستراتيجية فقط، بل لأن المجتمع الإسرائيلي نفسه تغير أيضاً، "فقد صار أكثر تنوعاً لكنه منقسم، فالإجماع الوطني ضعف، والعبء الوطني ليس موزعاً بصورة متساوية، وفقد الردع شيئاً من قوته"، ويرجع المحللون السياسيون الإسرائيليون ذلك إلى عدم وجود أفق سياسي للحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وفي الحروب الأخيرة في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين في قطاع غزة، وقبلها في مواجهة مقاتلي "حزب الله" في حرب تموز (يوليو) 2006، ظهر واضحاً عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المعركة، والحد من الخسائر البشرية بين صفوفه، أو تحقيق "ردع طويل الأمد"، مما أضر بما يسمى بـ(قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع).
الملاحظة الأخيرة يرى فيها باحثون إسرائيليون بأنها تفرض على الجيش الإسرائيلي الانتقال من وضعية الهجوم إلى وضعية الدفاع، والاستثمار المادي والتقني والبشري في المنظومات الدفاعية، بدل التركيز على منظومات تقليدية هجومية، "لا تظهر فائدتها بوضوح في ضوء التغييرات في البيئة الاستراتيجية وطبيعة المخاطر"، حسب تأكيد برايلخ، من موقعه كباحث أمني استراتيجي وكنائب سابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ويشاطره في رأيه هذا كثير من الباحثين.
المحلل العسكري في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، يوآف زيتون، يركز في تحليل نشرته الصحيفة بتاريخ 27/7/2015- ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، على ما يصفه بـ"حرب صامتة تخوضها إسرائيل"، عبر إعداد سيناريوهات للتصدي لأعداء مفترضين، بواسطة محاكاة افتراضية لهجمات سايبر، مشابهة لتلك التي ضربت مولدات الطاقة المستخدمة ضمن أجهزة الطرد المركزي في إيران، من خلال فايروس "ستاكس نت"، وكشف زيتون عن أن الجيش الإسرائيلي يتدرب على استعادة السيطرة على منظومات في حال تعرضها لهجوم، والرد على الطرف الآخر بهجوم سايبر.
وفي سياق المعلومات التي يوردها يوآف زيتون في تحليله "حسب تقييمات الجيش الإسرائيلي، سوف يحاول حزب الله في حرب لبنان الثالثة إطلاق صواريخ موجهة بنظام "جي بي إس"، أو طائرات انتحارية بلا طيار ضد أهداف استراتيجية مثل محطة توليد الطاقة الكهربائية "ريدينغ" في تل أبيب، بهدف قطع الكهرباء عن عشرات آلاف الأبنية في "غوش دان". ورغم تشديد المحلل على أهمية استعدادات الجيش الإسرائيلي، وما يراكم من قدرات على الرد، لكنه يتساءل "ماذا يحدث عندما يكون التعرض لمرفق حيوي، قطري، سرياً وصامتاً وبدون أي سابق إنذار، ومفاجئاً بدون إطلاق حتى قذيفة صاروخية واحدة؟..
الأعداء المفترضون في حرب السايبر سواء، كما جاء في تحليل يوآف زيتون، هم "إيران أو هاكر فلسطيني في أحد منازل قطاع غزة أو في كاراج في شيكاغو، يحاول تدمير الجيش الإسرائيلي من خلال كبسة زر واحدة". ورغم أن المحلل العسكري لصحيفة (يديعوت أحرونوت) يبدو واثقاً من قدرات الجيش الإسرائيلي، وبأن خطط المواجهة تشمل كل المرافق الحيوية الرئيسية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، غير أن حرب السايبر تظل خاصرة رخوة للجيش الإسرائيلي، ومهما بلغت التغيرات في عقيدته العسكرية والأمنية، لا يمكنها مواجهة مخاطر نشوب حرب سايبر، لأن حرباً من هذا النوع تبقى مفتوحة على مفاجآت قد تغير مسار أي حرب تقليدية تترافق معها، وهي لن تكون بعيدة عن الوصول إلى العمق الإسرائيلي واستهداف مرافقه الحيوية.