هنا بدأت أشجار الزيتون والكرمة تتكاثف كلما اقتربنا من محافظة السويداء، ليفوح علينا عبق "البازلت الأسود"، الذي بنيت منه أغلب منازل وجدران قرية شقا، التي وصلناها قاصدين فعاليات مهرجان السويداء "صيف السويداء بيجمعنا" برعاية وزارة السياحة السورية.
سبوتينك- السويداء- فداء محمد شاهين
تجمع الأهالي أمام القيصرية الأثرية في ساحة القرية، بينما قبع البعض الآخر خلف النوافذ ذات الأقفاص المعدنية أو الزجاجية ليتابع ساحة الاحتفال.. فيخرج مدير السياحة في المحافظة، يعرب العربيد، في تصريح خاص لوكالة "سبوتنيك" بالقول إن القيصرية الأثرية في قرية شقا لها صفة خاصة، باعتبارها كانت مقراً للحاكم الروماني، وما زال المكان شاهداً على الحضارات التي مرت عليه، فهو ثابت كبقاء حجارة البازلت وأشجار السنديان.
تراث المجتمع
ويؤكد العربيد أن إقامة المهرجان الذي يتضمن العديد من الفعاليات التراثية، والثقافية، والسياحية، والأدبية يستهدف تأكيد وقوف أبناء السويداء إلى جانب الجيش العربي السوري، ومهما بلغت الأحزان فإن للفرح مكاناً في الحياة، مشيراً إلى أنه سيتم إقامة "مهرجان السياحة الشعبية" في نهاية الشهر الجاري في حوران، علماً أنه يتم تكريم أبناء الشهداء والمتفوقين في جميع الفعاليات من قبل رجال الأعمال في المحافظة.
وتشير معاونة وزير السياحة، ربا زيادة، في تصريح لـ"سبوتنيك" إلى أن إقامة المهرجان يعمل على تنشيط السياحة الداخلية وتعزيز تراث المجتمع المحلي، لاسيما أن أغلب المشاركين من أبناء المحافظة، مشيرة إلى أنه يتم إعداد دراسة مع مجموعة من المنظمين والجمعيات الأهلية واتحاد المصدرين لوضع خطة تسويقية لجميع المنتجات اليدوية، مؤكدة أن سوريا تسير على طريق الانتصار بإرادة وصمود شعبها.
بنك القماش
وفي الجهة المقابلة من ساحة الاحتفال، كانت المنتجات اليدوية تملأ ساحة المدرسة حيث تحدثت السيدات، كارماليندا رسلان، وجنان ونجاح نصر من مؤسسي مشروع "نساء يعدن الحياة"، أنهن يقومن بتدوير بقايا الأقشمة المستهلكة بعد التأكد من جودتها وتحويلها إلى مفارش للطاولات والأسرة وغرف النوم وحقائب تخزين.
رسلان أكدت أن هدف المشروع جعل كل سيدة تعمل وتحول منزلها إلى مصنع بالاستفادة من الأقمشة الموجودة لديها أو عند صديقاتها، علماً أنه تم الإعلان عن حملة لجمع الأقمشة أطلق عليها بنك القماش "جينز، وقطن"، والسيدة التي ترغب في العمل يتم مساعدتها ومنحها الأقمشة.
وتابعت محدثتنا بأن العمل يتم يدوياً، ولا تتدخل الميكنة في إنتاجه، ويتضمن مواصفات وأشكالاً جميلة مربعة ودائرية جميعها متناسقة ومتساوية، وجرى العمل والتجهيز للمعرض خلال 3 أشهر "نوفمبر وديسمبر ويناير" أثناء فصل الشتاء حيث البرد القارس، وعلى أضواء الشموع.
وتشير رسلان إلى أنه رغم انخفاض القدرة الشرائية فإن المرأة السورية استطاعت أن تتخطى الأزمة، وتمكنت من توفير السكينة والأمان داخل منزلها، قدر الإمكان، فضلا عن دخولها في مشروع بناء اقتصادي.
"بنت الجيل"
وطالبت النسوة المشاركات في المعرض والاحتفالية في قلب السويداء، بدعم صمودهن من أجل تحويل كل بيت إلى مصنع، عبر إيجاد أسواق خارجية وداخلية لتسويق منتجاتهن اليدوية، مشيرات إلى أن العمل في المشروع بدأ منذ سنتين في المدينة والقرى المحيطة بها، ويضم جميع شرائح المجتمع من مهندسات وطبيبات وربات منزل، لاسيما أن "ثقافة التدوير" من العناصر الراسخة في التراث السوري، وكانت موجودة في كل بيت، وها هي تعاود نسوة السويداء العودة إليها بطريقة عصرية، مع دراسة الكلفة ووضع قوائم تسعير مناسبة للسوق الداخلي والخارجي.
وتتدخل الفنانة التشكيلية والرسامة، رجاء العريضي، في الحوار المفتوح الذي أجرته "سبوتنيك" مع نساء السويداء، مطالبة بإيجاد مقر لورشة "بنت الجبل"، قائلة "إن الورشة مخصصة لجميع الأعمال اليدوية لتعليم الفتيات والنساء اللائي لا يجدن عمل وغير قادرات على إعالة أنفسهن، إضافة إلى تدريب وتعليم ذوات الاحتياجات الخاصة منهن".
حالات إنسانية
وفي سياق آخر، تحدث مدير إدارة جمعية الرعاية الاجتماعية في السويداء ، دنان أبو حلا، عن الخدمات المجانية التي مازالت تقدمها الجمعية للطلاب والأيتام والحالات الخاصة والإنسانية والمسنين من الجنسين.
وتضم الجمعية 22 امرأة ورجلاً و60 طفلاً يتم توفير لهم الطعام واللباس والرعاية الصحية والرحلات الترفيهية، ويبقى الطالب حتى ينهي دراسته الجامعية، في حين تبقى الفتيات حتى تتزوجن في حال لم يتول أقرباؤهن تلك المهام.
وأشار أبو حلا إلى افتتاح "مركز إيواء للمسنين" مأجور لمساعدة الناس، وتم تأمين مركز للأحداث "الأطفال المحكومين" من أجل متابعة قضاياهم، مبيناً أن الجمعية تأسست في بيت يتيم 1948، وتحتضن جميع المحتاجين من أبناء المحافظة حصراً بغض النظر عن طائفته.