يحيي اليابانيون، ومعهم كل شعوب البشرية، الذكرى السبعين لإلقاء الولايات المتحدة الأميركية قنبلة ذرية على هيروشيما، ذهب ضحيتها أكثر من 140 ألف إنسان، وتلاها إلقاء قنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي أزهقت أرواح 40 ألف من بني البشر، وتؤكد كل الدراسات والأبحاث والوثائق أن الولايات المتحدة لم تكن بحاجة إلى استخدام السلاح النووي، دفاعاً عن نفسها أو لإنهاء الحرب العالمية الثانية، بل أرادت استخدامه كعصا غليظة لإرهاب العالم، فالحرب كانت على وشك أن تضع أوزارها وقد وصلت النازية وحلفائها للانهيار.
في حينها فُهم من الوحشية الأميركية أن واشنطن أرادت من خلالها التمهيد لما سمي بـ(الحرب الباردة) لإعاقة تطور الاتحاد السوفييتي، وإقامة جدار صد في وجه انضمام دول إلى المنظومة الاشتراكية، وتخويف حركات التحرر في بلدان العالم الثالث، وكذلك حكومات الدول المستقلة حديثاً، لإجبارها على الدوران في فلك السياسات الخارجية الأميركية، التي تجسِّد أبشع صور الاستعمار بنسخته المحدَّثة، كمرحلة أعلى من مراحل الإمبريالية الغربية.
ورغم أن السباق النووي لأغراض عسكرية مرفوض ومدان، من حيث المبدأ، غير أن العالم كان سيدخل في عصر أميركي وحشي لولا أن كَسَرَ الاتحاد السوفييتي الاحتكار الأميركي للسلاح النووي، وخلق توازن رعب مع الولايات المتحدة، منعها من خوض مغامرات جديدة تزهق أرواح الملايين من البشر. بيد أنه مع اتساع نادي الدول النووية، ومخاطر دخول العديد من الدول في سباق لامتلاك سلاح نووي، يلاحظ أن الولايات المتحدة لم تتعلم من الدروس.
فالعديد من أعضاء (الكونغرس) الأميركي لا يترددون في دعم سياسة استخدام القوة من دون حساب، ضد دول مثل إيران، بينما تحمي الولايات المتحدة الأميركية حليفتها إسرائيل وتدعم تعنتها في رفض جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، فالجميع يعرف أن إسرائيل وحدها من يمتلك ترسانة نووية في المنطقة، وأن الولايات المتحدة هي من أفشلت مؤتمرات مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بسبب رفض واشنطن عملية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهدفها من وراء ذلك عدم المس بالترسانة النووية الإسرائيلية.
من هذه الزاوية الولايات المتحدة ترتكب جريمة أخلاقية مركبة، في جانب منها يتم وضع منطقة الشرق الأوسط على حافة سباق من اجل امتلاك السلاح النووي، وفي جانب آخر يتضح أن واشنطن لم تغادر سياساتها التقليدية، القائمة على الكيل بمكيالين، ناهيك عن أن عدم اتخاذها موقفاً جدياً وحازماً ضد انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، يكشف أنها مازالت غير مهيأة لإجراء مراجعة أخلاقية، للتكفير عن جريمة هيروشيما وناغازاكي، ولا حتى مجرد تقديم اعتذار للشعب الياباني وأبناء وأحفاد وأقارب الضحايا.
وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عبَّر في شكل أو آخر عن صلف النخب السياسية الأميركية، فيما يخص الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة. الوزير كيري لم يجد ما يقوله في الذكرى السبعين للجريمتين المروعتين في هيروشيما وناغازاكي، فحاول التهرب من سؤال وجهه له أحد الصحفيين، في بداية اجتماع مع وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا على هامش اجتماع إقليمي في ماليزيا.
الصحفي سأل كيري عما يتوارد في ذهنه من خواطر أو مشاعر حول ذكرى هيروشيما وناغازاكي، فأجابه كيري: "من المتعذر ألا يكون لدى المرء خواطر في شأنها. لست في حاجة للقول إنها تذكرة قوية جداً، ليس فقط بأهمية تأثيرات الحرب المستمرة اليوم على الناس والدول، بل تبرز أيضاً أهمية الاتفاق الذي توصلنا إليه مع إيران لتقليل احتمالات المزيد من الأسلحة النووية".
أي أن كيري لم يشعر للحظة بتبكيت ضمير على الضحايا، ولا بالحاجة إلى تقديم اعتذار عن الجريمة المروعة بعد مرور سبعين عاماً من ارتكابها، كما أنه أجاب وكأنه ليس معنياً، من موقعة كوزير لخارجية الولايات المتحدة، بأن يعمل على تقليل مخاطر وقوع البشرية، مرة أخرى، ضحية لمأساة نوويةـ، إذا لم تطبق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وجعل منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد خالية من السلاح النووي، الأمر الذي تعيقه الولايات المتحدة، ويعبِّر كيري في هروبه من السؤال عن صلف —إلى أبعد الحدود- كماركة سياسية أميركية مسجلة.