تخلى الغرب عن ليبيا عقب رحيل القذافي، تاركاً فراغاً أمنياً، سمح بانتشار الجماعات المتطرفة التي تمكنت من السطو على مخازن السلاح التابعة للجيش الليبي، كما سيطرت على مدن بأكملها وفرضت على السكان قوانينها ورؤيتها المتطرفة، ووضع الليبيين أمام تحديات الانقسام وتصاعد النعرات الطائفية والقبلية، حتى أصبحت ليبيا ما بعد القذافي تمثل تهديداً على المنطقة وأوروبا والمجتمع الدولي.
لم يتردد الغرب في اتخاذ قرار التدخل العسكري عام 2011، وفرض حظراً على إمداد الليبيين بالسلاح، بينما يغض الطرف عن عمليات تهريب السلاح والعناصر الإرهابية، والتي تساهم بشكل كبير في تقوية شوكة الجماعات المتطرفة، متجاهلاً تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2214 لعام 2015، والذي يدعو لدعم ومساعدة الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في مجال الأمن.
تبدو واضحة تلك الازدواجية في المعايير والانتقائية في سياسة الغرب تجاه مكافحة ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وبينما تركز تحركات الولايات المتحدة وحلفائها على سوريا والعراق، تتجاهل ممارسات "داعش" والجماعات الأخرى في ليبيا.
ويقول الخبير الأمني الاستراتيجي، العميد خالد عكاشة، في حديث لـ "سبوتنيك" اليوم الأربعاء، أن المجتمع الغربي خاصة الدول الأعضاء في حلف الناتو ارتكبوا في حق ليبيا، جريمة كبرى وجريمة تاريخية لن يغفرها التاريخ، وتحت ادعاء مساعدة وحماية الشعب الليبي عام 2011، أرتكب المجتمع الغربي جريمة فادحة، ووجهة ضربة قاسمة إلى هيكل الدولة الليبية بطريقة تجعل من الصعب اليوم استعادة التوازن والاستقرار.
أكد الخبير الأمني، على استمرار التآمر والصمت الغربي والدول الأعضاء في حلف الناتو طوال هذه المدة لم تتقدم خطوة واحدة نحو مساعدة ليبيا بل بالعكس يبدو الأمر أن هناك مؤامرة على أن تبقى ليبيا بؤرة وساحة لاستقبال مجموعات إرهابية تتحرك بحرية منذ عامين وتتمتع بدعم من الأسلحة والأفراد، وسمحت هذه الدول بان يكون هناك فرع لتنظيم "داعش" الذي تدعي الدول الغربية أنها تحاربه في سوريا والعراق.
ويرى عكاشة أن الدول الغربية غير معنية بالاستقرار في ليبيا، معتبراً ان المشاورات التي يجريها المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، لا أفق لها، وان هناك مجموعة من الألغام توضع في طريق استقرار ليبيا.
لا يمكن ان نتجاهل تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كونداليزا رايس، في أبريل/نيسان من العام 2005 حول ما قالت عنه "الفوضى الخلاقة" وتشكيل الشرق الأوسط الكبير، حيث أكدت خلال حديث مع صحيفة "واشنطن بوست" أن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية، هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية، وضعاً أفضل من الذي تعيشه حاليا، واشارت إلى توجه الإدارة الأمريكية لنشر الديمقراطية في العالم العربي، و وقعت شعوب المنطقة في فخ الديمقراطية الأمريكية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تلك الفوضى تعيشها المنطقة بداية من العراق إلى ليبيا مروراً بالصومال وسوريا واليمن فضلا عن موجات الإرهاب التي تضرب في كل من تونس ومصر.