إعلان التيار الصدري عن انضمامه إلى صفوف الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد، في العراق، يقدَّر له أن يعطي دفعة قوية للحراك، وبما لا يتناقض مع أهداف الحراك، ونسق القوى الداعية له والمنظمة لتحركاته، فالتوجيهات التي خص بها زعيم التيار، مقتدى الصدر، أنصاره شدَّدت على ضرورة أن ينخرطوا في المظاهرات الاحتجاجية تحت الشعارات التي يرفعها المحتجون، في الإطار الوطني العام، ومراعاة الطابع المدني للحراك، وما يتطلبه ذلك من أن لا يتحرك أنصار التيار داخل الاحتجاجات ككتلة، بل كأفراد ليس إلا.
ميزة أخرى نحسب في صالح المحتجين تتمثل في أن التيار الصدري كان مبادراً إلى دعم مطالبهم منذ البداية، لاسيما المطالب الرئيسية الثلاثة، مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وتصويب أوضاع مؤسسة القضاء، وإلغاء المحاصصة الطائفية، التي يرى فيها المحتجون بأنها من أنتجت الفساد، بشقيه المالي والسياسي، ولا إصلاح دون بناء دولة مدنية، على أساس احترام حقوق المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي.
يضاف إلى ما سبق، يتمتع التيار الصدري بوزن فاعل في المعادلة الداخلية الشيعية العراقية، ويمتلك استقلالية استطاع من خلالها أن يبر عن مواقفه بحرية، في كثير من الأحيان بالتعارض مع مواقف التيارات والأحزاب والكتل الشيعية الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر موقف التيار وزعيمه من الدور الإيراني في العراق، حيث يتمسك الصدريون بضرورة أن تقوم العلاقات العراقية- الإيرانية على قاعدة الندية، وأن تكون مرجعية العراقيين عراقية.
والوزن الذي سيضيفه انضمام التيار الصدري إلى الاحتجاجات يفرض على المعادين لها مراجعة حساباتهم، إذ لن يكون من السهل قمع المحتجين أو ترهيبهم، لأن أي احتكاك خشن معهم سيؤدي إلى صدام مع التيار الصدري، لا يُعتقد بأن وقوعه من مصلحة أي من القوى السياسية المتضررة من الاحتجاجات، فمن شأن الاحتكاكات عندها أن تنقل الصدامات إلى طور خارج عن نطاق السيطرة.
نقطة أخيرة في المكاسب التي يمكن أن يحققها المحتجون، انضمام أنصار التيار الصدري إلى صفوفهم سيشد من عزيمة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وسيساعده على تنفيذ ما وعد به من إصلاحات، والإقدام على حزمة ثانية من الإصلاحات، كان قد وعد بها. كما أن انضمام التيار الصدري سيشجع قوى أخرى على ذلك، بعيداً عن التخندق سياسياً، وربما يفتح هذا على ائتلافات ومكونات جديدة تنتشل الحالة العراقية من حالة المراوحة في مستنقع المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية.
حسابات متفائلة يقابلها محاذير، ليس جراء انضمام أنصار التيار الصدري إلى المحتجين، بل لأن العديد من الشعارات المحقة، التي يرفعها المحتجون، ربما تتحول في سياق التنفيذ إلى ضدها، ويكون المستفيدون منها هم من يعادون الاحتجاجات، فمطلب إنهاء المحاصصة الطائفية المذهبية والإثنية يحتاج إلى إعادة بناء النظام السياسي، وليس البناء على ما هو قائم، من خلال تصويب أوضاع البنية الحزبية، وإصلاحات دستورية واسعة، وتطهير أجهزة وإدارات الدولة من الفساد ومحاسبة المفسدين، وإلا فإن مطلب إنهاء المحاصصة سيتحول إلى تركيز السلطة في أيدي جهة سياسية، هي أكبر المتضررين من مطالب المحتجين، ومن استجابة العبادي لبعضها كمرحلة أولى، وإطلاقه وعوداً باستكمالها.
كما أن تمكين المحتجين من مواصلة تحركاتهم يشترط الإبقاء على الطابع السلمي للحراك، والتمتع بنفس طويل، والابتعاد عن الشعارات والمطالب المتطرفة، وعدم الدخول في صراعات هامشية، ستطفو على السطح إذا أُدخل الحراك في حقول ألغام الصراعات السياسية، وأزقة المصالح الحزبية الضيقة.
غير أن تجربة الاحتجاجات حتى الآن أظهرت وعياً متميزاً، يُشهد به للجهات المنظمة للاحتجاجات وللمشاركين بها، ولعل ما يتسم به التيار الصدري من مرونة كبيرة، بالمقارنة مع المكونات السياسية الأخرى، سيلعب دوراً إيجابياً في أن تحافظ على سلمية الاحتجاجات ومسارها الواعي.