وعن هذه الرواية الجميلة، جرى الحديث مؤخراً عندما أقيم مزاد علني "سوتبيس" لبيع الأرشيف الشخصي لعائلة كونيونكوف. ومن بين الوثائق الأخرى التي عرضت للبيع، كان هناك بعض الرسائل التي أرسلها أينشتاين إلى حبيبته في موسكو.
تزوجت مارغريت كونيونكوفا من سيرغي الذي يكبرها سناً بكثير، عام 1922. وفي العام التالي أي في 1923، غادرا الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة للمشاركة في معرض للفن الروسي والسوفيتي. وقد كان من المفترض أن تستمر الرحلة بضعة أشهر فقط، لكنها استمرت لفترة طويلة دامت 22 عاماً، والسؤال الذي يطرحه الكثير من المؤرخين، لماذا استغرقت رحلة أسرة كونيونكوف كل هذه المدة؟ فهذه العائلة لم تكن ضمن أعداء السلطة السوفيتية. علاوة على ذلك، أنهما عندما عادا إلى موسكو عام 1945، أمر الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين شخصياً أن تكون تحت خدمتهما سفينة، وذلك من أجل أن يتمكن النحات الشهير سيرغي من جلب جميع منحوتاته من أمريكا. فضلا عن ذلك، تم منح الزوجين منزلاً مناسباً وصالة كبيرة للنحت، لذا بدأ الكثيرون يتحدثون عن أن هذا كله يشبه باحتفاء الدولة السوفيتية بعودة عميلين بعد تنفيذ مهمة كبيرة. هذه الفرضية تم الحديث عنها، أول مرة، من قبل أول عميل للاستخبارات السوفيتية الجنرال بافل سودوبلاتوف عام 1995، والذي أشار بأن مارغريت كونيونكوفا كانت عميلاً للاستخبارات السوفيتية، مع الإشارة إلى أنه لا يوجد حتى الآن ما يؤكد أو يدحض هذه المعلومات.
سحرت مارغريت كونيونكوفا خلال حياتها الكثير من الرجال، ومن بينهم الموسيقار الكبير رحمانينوف، والمغني شاليابين، والفنان فروبل، وهؤلاء ليسوا القائمة الكاملة من المعجبين. فمنذ وصولها إلى أمريكا، أصبحت كونيونكوفا ترتدي الملابس الفاخرة وتشتري المجوهرات الثمينة، وباتت هذه اللبوة الروسية تشرق بين أوساط المجتمع المخملي الأمريكي، وكان من السهل عليها التعرف على النخبة وأصحاب النفوذ.
وقع أول لقاء بين مارغريت وأينشتاين عام 1935، عندما حصل النحات سيرغي كونيونكوف على طلب من أجل نحت تمثال نصفي من البرونز للعالم الشهير. وهنا كان على أينشتاين أن يحضر من أجل جلسة نحت تمثاله من البرونز. وفي هذا الإطار، كتبت مارغريت في مذكراتها أن العالم الفيزيائي كان وقتها رجلاً متواضعاً، وفي كثير من الأحيان مازحاً بأنه أصبح مشهوراً فقط بسبب شعره الكثيف. بالطبع لقد سحرت مارغريت العالم الفيزيائي بجمالها منذ اللقاء الأول، ومنذ ذلك الحين بدأ يلتقيا بشكل مستمر. وفي يوم من الأيام، توسل العالم لطبيب عائلة كونيونكوف من أجل أن يتحدث لسيرغي عن مرض خطير أصاب زوجته، وهي بحاجة ماسة للراحة والاستجمام. وعلى الفور سارع الزوج لإرسال مارغريت إلى منتجع للاستجمام والعلاج في آن واحد. بالطبع سيكون حديثنا عن وجود العالم الفيزيائي في نفس المنتجع أمر بديهي، حيث أمضى الحبيبان أوقاتاً لا تنسى.
لا بد من القول هنا إن الكثيرين كانوا على علم بالعلاقة الرومانسية التي كانت تربط ألبرت ومارغريت، لكن الزوج المخدوع كان آخر من يعلم، حتى أنه عندما أصبحت هذه الحقيقة واضحة كعين الشمس، لم يتمكن سيرغي من منع لقاء العاشقين، وذلك لأن مارغريت كانت امرأة مستقلة وتتصرف حسب رغباتها وشهواتها، وما كان على النحات الفقير إلا أن يقبل بذلك. ومع ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار فرضية أنها كانت عميلة لصالح الاستخبارات السوفيتية، فإننا يمكن أن نفترض بأن الزوجة همست في أذن زوجها، ولمحت له بضرورة إنشاء علاقة مع أينشتاين، وذلك تنفيذاً لأوامر الحكومة السوفيتية.
وفي صيف عام 1945، عاد الزوجان إلى وطنهما، وقبل أن تغادر اللبوة الروسية حصلت على هدية من حبيبها أينشتاين وهي عبارة عن ساعة من الذهب، والتي تم عرضها بعد نصف قرن من الزمن في مزاد علني "سوتبيس" جنباً إلى جنب مع أرشيف أسرة كونيونكوف.
لقد كانت الحبيبة في ذاكرة أينشتاين حتى في اللحظات الأخيرة من عمره، حيث كتب في عام 1946، قائلاً "مارغريت الحبيبة! أجلس الآن أدخن بالغليون الذي أهديتني إياه، وفي الليل أكتب مستلقياً على السرير بقلم الرصاص الذي منحتني إياه". ويتابع في إحدى الرسائل قائلاً "لم تظهر لدي أي مخلوقات أخرى من الإناث حولي، ولكن لا أشعر بالأسف". وفي رسالة أخرى كتب قائلاً "لقد أصبح عشنا مهجوراً وفارغاً". استمرت هذه المراسلات لمدة 10 سنوات حتى بيع عام 1955، السنة التي توفي فيها العالم الفيزيائي الكبير ألبرت أينشتاين.
وفي عام 1971، توفي سيرغي كونيونكوف وبقيت مارغريت المريضة العجوز وحدها تماماً. وقضت تلك اللبوة الجميلة التي كانت تحظى باهتمام المشاهير آنذاك، آخر أيامها وحيدة إلى أن توفيت عام 1980.