ويواجه أصحاب المصانع في قطاع غزة الكثير من المخاطر التي تهدد بتوقف أعمالهم أو تكبدهم خسائر كبيرة، بسبب اعتمادهم الكلي على التيار الكهربائي الذي يخضع لجدول صعب من القطع والوصل بثمان ساعات وصل مقابل ثماني ساعات قطع.
ويعاني قطاع غزة من أزمة كهرباء شديدة بدأت في حزيران عام 2006، عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، إضافة إلى أزمة توفير الوقود لمحطة التوليد.
ويقول محمود أبو دقة صاحب ورشة للنجارة جنوب القطاع لـ"سبوتنيك"، إن معاناة العمل ضمن جدول التيار الكهربائي غير المنتظم في كثير من الأوقات، تجعل مواصلته شبه مستحيلة إذا ما بقي على هذا الحال، مشيراً إلى اعتماد جميع المصانع في الوقت الحالي على المولدات الكهربائية.
وأوضح أبو دقة أن تشغيل المولد الكهربائي في ساعات القطع يزيد من تكاليف العمل، مقارنة بوجود التيار الكهربائي، من ثلاثة إلى أربعة أضعاف، وذلك يشكل خسارة كبيرة، مبيناً أنَّ المولد يحتاج شهرياً "5 آلاف شيكل (1300 دولار)، إضافة إلى تكلفة إصلاحه إذا تعطل، وإيجاد قطع غيار له".
وأشار إلى أنَّ حجم الخسائر التي تكبدها خلال السنوات الحالية، مقارنة بالسنوات التي انتظمت فيها الكهرباء، تصل إلى نحو 10 آلاف دولار سنوياً، مضيفاً "نضطر إلى الاستغناء عن عدد من العمال أو تقليص رواتبهم من أجل الإبقاء على العمل، وإلا سنضطر إلى إغلاق الورشة بشكل نهائي".
وأضاف "تكبدت الورشة أضراراً جسمية في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، قُدرت من قبل وزارة الاقتصاد بتسعة آلاف دولار، وإلى الآن ننتظر التعويض الذي يبدو أنه لن يأتي أبداً".
هذا وبلغت خسائر القطاع الصناعي جراء الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014، بـ 750 مليون دولار، بحسب وزارة الاقتصاد الفلسطيني.
ومن جنوب القطاع إلى وسطه لا يختلف الحال كثيراً، كما يرى أحمد حسن، صاحب مصنع الخياطة الذي بدأ سوق تجارته ينهار شيئاً فشئياً بسبب معاناة التيار الكهربائي، إضافة إلى ازدحام الأسواق بالمنتجات المستوردة وانعدام قدرة المنتج المحلي على المنافسة.
ويقول حسن لـ"سبوتنيك"، "إننا نضطر للعمل وفق جدول الكهرباء، حيث نعمل في الفترة الصباحية في يوم، وفي الفترة المسائية في يوم آخر، ونعمل بمولدات الكهرباء كذلك، لكن أعطالها ومصاريفها كبيرة مما يجعلنا نستغنى عنها في بعض الأوقات لكي لا نزيد من خسائر المصنع".
وأشار إلى حجم المخاطر التي تشكلها المولدات سواء على العمل أو على الحياة، موضحاً أن "المولدات الكهربائية تعطي كهرباء غير ثابتة، مما قد يؤدي إلى تعطل ماكينات الخياطة أو حتى إحداث تماس كهربائي يودي بصناعتنا كلها التي تعتمد أساساً على القماش، ناهيك عن كثرة تعطلها ومصاريف التصليح".
وأضاف "في الفترة الحالية نعمل بنظام المياومة للعمال لأننا لا نستطيع العمل بالنظام الشهري، نظراً لتوقف العمل للعديد من الأيام، كذلك نضطر لزيادة عدد ساعات العمل من أجل تعويض ما نفقده جراء انقطاع التيار الكهربائي، فالمولد وحده يكلفنا 36 ألف شيكل سنوياً".
ومن أبرز أسباب أزمة الكهرباء، بحسب سلطة الطاقة، محدودية مصادر الطاقة الكهربائية عن تغطية العجز في الطلب المتزايد عليها، وتزايد استهلاك الكهرباء والأحمال بشكل سنوي (7% سنوياً) مع ثبات المصادر وعدم نموها بسبب الحصار.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الفلسطيني ماهر الطباع أن أزمة الكهرباء في غزة أدت إلى انخفاض الإنتاجية بشكل كبير في كافة الأنشطة الاقتصادية، مبيناً أن انخفاض الإنتاجية يؤدي إلى انخفاض نسبة التشغيل وارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير.
وأوضح الطباع أن الأزمة تأخذ بعداً آخر في "التسبب بالأعطال للماكنات واللوحات الإلكترونية، إضافة إلى أن انقطاع التيار الكهربائي في وسط عملية الإنتاج، مما يؤدي إلى فقدان صاحب العمل لجزء كبير من المواد الخام".
ونوّه إلى أن هذه الأزمة أدت إلى التخلي عن عدد كبير من الأيدي العاملة نتيجة عدم قدرة بعض المصانع من العمل على المولدات، لأن ذلك يؤثر على التكلفة، مما يضطر للعمل فقط في ساعات وصل الكهرباء.
ويرى الطباع أن الحل الوحيد للأزمة هو "شراء كهرباء من إسرائيل أو جمهورية مصر العربية لسد العجز في قطاع غزة"، مؤكداً أنه في ظل وجود الحصار وتوقف مشاريع التطوير أصبح العجز أمرا قائما وطبيعيا.
وأضاف "في بداية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة قبل تسع سنوات، كان عدد المواطنين مليون و400 ألف فلسطيني، ولكن اليوم وصل العدد إلى 2 مليون، وهذا النمو الكبير يزيد من تفاقم الأزمة في ظل عدم وجود حلول، وكل هؤلاء السكان يفقدون حقهم في التنمية وفرص العمل".