تعكس تصريحات رئيس الدبلوماسية الأمريكية، تحولاً واضحاً في موقف واشنطن الذي سيطر على تحركاتها طوال السنوات السابقة، حتى اصبحت على يقين بأن الأزمة لا تكمن في النظام إنما في الجماعات الإرهابية التي تجاوزت الخطوط المرسومة لها في المنطقة، أو ربما تكون قد حققت هدفها في حالة عدم الاستقرار والأمن وتزايد أعداد النازحين واللاجئين من الشعب السوري.
اتسم الموقف الروسي منذ بداية الأزمة بالوضوح، بضرورة مكافحة الإرهاب وعدم السماح بامتداد نشاط العناصر المتطرفة في المنطقة بما يشكل خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين، ولطالما دعت موسكو إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وان على السوريين بعيداً عن التدخلات الخارجية أن يقرروا مصيرهم، في إطار الحفاظ على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، ومواجهة جماعات التطرف والإرهاب.
وجاءت المبادرة الروسية لتشكيل تحالف جديد لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع الدول الإقليمية البارزة في الشرق الأوسط، نتيجة عجز وفشل وتقاعس التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم ما يعرف بـ"الدول الإسلامية" التي عززت من سيطرتها على مساحات كبيرة من سوريا والعراق فضلا عن تدمير المعالم الثقافية والحضارية والتهجير القسري للأقليات.
تنظر كثير من دول المنطقة إلى التحركات الروسية في المنطقة، بتفاؤل يمكن ان يعيد الاستقرار والأمن إلى الشرق الأوسط، في ظل الاستنكار والرفض التي تسيطر على مشاعر وتوجهات شعوب المنطقة تجاه السياسة الأمريكية، ولعل تطور علاقات التعاون مع مصر، صاحبة الدور المؤثر في قضايا المنطقة، ومستوى المشاورات بين المسؤولين وتنسيق المواقف المختلفة، قادر على وضع حداً لسياسة الفوضى الخلاقة لواشنطن في المنطقة و مواجهة مخطط التقسيم الطائفي والعرقي لسكان المنطقة.
لم يكن هناك ما يبرر السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، حيث دعمت جماعات "اللا دولة" وساهمت في انتشار التنظيمات الإرهابية والعنف والفكر المتطرف، بينما تطرح تصريحات كيري تساؤلات حول ما إذا كان تغير موقف بلاده يشكل تصحيحاً لما ارتكبه البيت الأبيض من أخطاء؟ أم هي مناورة جديدة في ظل تحرك إقليمي ودولي لمواجهة العبث الأمريكي بمصير شعوب المنطقة وما تشكله سياستها من تهديد للسلم والأمن الدوليين؟
إن المجتمع الدولي في حاجة إلى إعادة توازن في القوى القادرة على تسوية أزماته وحل مشاكله على أساس عادل، فالهيمنة الأمريكية لم تخلق سوى الفوضى والتقسيم، بهدف تعزيز تواجدها العسكري في مناطق استراتيجية من العالم، وان التحرك الروسي بالتعاون مع دول المنطقة لمواجهة الإرهاب والتطرف قادر على تحقيق هذا التوازن و وضع حد لهيمنة القضب الواحد على مصالح العديد من الدول.