مخالفة جديدة لكل القوانين والأعراف الدولية ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية، يرقى فعل من يشرعنها، أو يعمل بموجبها، إلى ارتكاب جريمة حرب، تتمثل في اعتبار الفلسطينيين الذين يواجهون الاحتلال والاستيطان بالحجارة إرهابيين، وتعديل تعليمات إطلاق النار لأفراد الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على من يلقي حجراً، في محاولة للتغطية على عجز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن الحجر على حق الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة، على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، عملاً بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وميثاق الأمم المتحدة.
ما أرادته الحكومات الإسرائيلية على الدوام، وتحاول حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو أن تفرضه بمزيد من القمع والقتل بحق الفلسطينيين، تمرير الرؤية الإسرائيلية التوسعية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، القائمة على تهويد القدس الشرقية والاستيلاء على مساحات واسعة من باقي أراضي الضفة الفلسطينية، لفرض حدود توسعية جديدة لإسرائيل، وتحويل الكيان الفلسطيني الموعود إلى حديقة خلفية لإسرائيل، مجزأة إلى معازل للفلسطينيين، ويتحكم بمفاتيحها الجيش الإسرائيلي، بما يمنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إنفاذاً لمبدأ "حل الدولتين".
ولأجل ذلك عملت حكومة نتنياهو على إفشال المفاوضات على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي، بإفراغ المفاوضات من مضمونها، وإغلاق أي أفق سياسي لها، وتشديد الإجراءات الأمنية القمعية ضد الفلسطينيين، وهدم بيوت الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، والتوسع في الأعمال الاستيطانية في القدس الشرقية ومحيطها، وفي البؤر الاستيطانية في عمق الضفة الفلسطينية، ، وإقرار مشاريع استيطانية جديدة، وشن سلسلة حروب دموية على قطاع غزة.
وفي قرارها الأخير، تريد حكومة نتنياهو ليَّ عنق الحقائق، بتحويل الشبان الفلسطينيين، الذين يدافعون عن أرضهم بالحجارة، إلى إرهابيين يجب مواجهتهم بإطلاق النار عليهم، واعتبار مقاومة الاحتلال جريمة، وتحويل الأنظار عن جرائم القتل التي يرتكبها جنود الاحتلال والمستوطنين المسلحين ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.، بل وشرعنة تلك الجرائم في التعليمات الموجهة لهم.
لكن ما تريده حكومة نتنياهو من وراء قرارها الأخير لن يتحقق، فمقاومة الفلسطينيين للاحتلال حق تكفله لهم كل المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية، وأوامر القتل التي ينطوي عليها القرار يتحمل مسؤوليتها نتنياهو وحكومته وقادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويتنافى مع أبسط الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على إسرائيل كقوة احتلال للأراضي الفلسطينية، وأمام تمادي حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية في عدم احترام التزاماتها والوفاء بها، بات من واجب منظمة الأمم المتحدة تأمين حماية دولية للفلسطينيين في أراضيهم المحتلة عام 1967، فبيانات الإدانة والاستنكار لم تجد نفعاً على مدار 48 عاماً من احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولم تمنع الحروب على قطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل، في شكل أحادي الجانب عام 2005، لتحوله إلى سجن كبير، جراء الحصار الشامل عليه منذ عام 2006.
وإبداء المجتمع الدولي أي تهاون مع تمادي إسرائيل، في التنكر لالتزاماتها وواجباتها كدولة احتلال، سيرسل رسالة خاطئة إلى حكومة نتنياهو، تشجعها على الاستمرار في قمع الفلسطينيين والتنكيل بهم، ومصادرة أراضيهم وإقامة مستوطنات عليها، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية في القدس، وإفشال أي جهود قد تبذل لإعادة إحياء المسار التفاوضي الفلسطيني- الإسرائيلي على أسس شاملة ومتوازنة، تضمن الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني.
مرّة أخرى؛ إن حماية الشعب الفلسطيني واجب يقع على كاهل المجتمع الدولي، وترجمته ستجبر حكومة نتنياهو على التفكير بواقعية، بعيداً عن أوهام إنهاء القضية الفلسطينية والحجر على حقوق الفلسطينيين، ودون ذلك فإن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مرشحة لحمامات من الدماء، على ضوء التعليمات الجديدة للجيش الإسرائيلي بإطلاق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين العزل.