جاءت النتائج غير النهائية للانتخابات التشريعية المحلية لإقليم كاتالونيا الإسباني، التي أجريت يوم الأحد، متوافقة مع التوقعات، بحصول تحالف الانفصاليين تحت شعار "معاً من أجل النعم" على 62 مقعداً، وحصول لائحة حزب اليسار الكاتالوني المتطرف، "الوحدة الشعبية" الانفصالية، أيضاً على 10 مقاعد، من أصل 135 مقعداً، أي أن الانفصاليين حصلوا على نسبة أكبر من الأغلبية اللازمة لقرار الانفصال، 72 مقعداً بينما الحد الأدنى المطلوب 68 مقعداً فقط.
النتيجة كما قرأها الانفصاليون الفائزون لخصها رئيس الإقليم المنتهية ولايته، آرتور ماس، بتغريدة على "تويتر" قال فيها: "لقد انتصرنا"، والمعرف عن ماس أنه من أشد المتحمسين لانفصال كاتالونيا عن إسبانيا، بينما ذهب زعيم حزب اليسار الكاتالوني، انتونيو بانوس، إلى أبعد من ذلك في تغريدة على "تويتر"، جاء فيها: "بدون ضغينة، نقول للدولة الإسبانية وداعاً".
إلا أن الأغلبية التي حصل عليها الانفصاليون في عدد مقاعد البرلمان المحلي لم تعكس رأي شعبي مرجح للانفصال، فنسبة الذين صوتوا لتحالف الانفصاليين واليسار المتطرف بلغت ما معدله 47,3% من الأصوات، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين أنصار انفصال الإقليم ومعارضيه، وعلى مطاق أوسع في الأوساط السياسية والحزبية الإسبانية، إلى جانب جدل قانوني، يضاف إلى ذلك أن القانون الوطني الإسباني لا يجيز انفصال الإقليم، مما يجعل دعوات الانفصال أقرب ما يكون للدعوة إلى استقلال افتراضي.
الحكومة الإسبانية أعلنت على لسان رئيسها، ماريانو راخوي، أن الدعوة للانفصال غير قانونية، لكن راخوي عاد وأكد على استعداده للحوار مع الحكومة الكاتالونية القادمة، والتعاون معها، تحت سقف الدستور والقانون الإسباني، بالحفاظ على وحدة البلاد. وتعهدت الأحزاب المعارضة للانفصال بالدفاع عن وحدة إسبانيا، وعبرت تلك القوى عن ثقتها بكسب معركة وحدة إسبانيا، بدليل أن الأغلبية الشعبية كانت ضد الانفصال، بصرف النظر عن عدد المقاعد البرلمانية المحلية التي حصل عليها الانفصاليون.
وبوضع الانتخابات المحلية الكاتالونية مطلب الانفصال على صفيح ساخن، سيستمر الجدل وسيتصاعد في الأشهر القليلة القادمة، خلال الفترة الفاصلة عن الانتخابات التشريعية الاسبانية العامة في شهر ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الجاري، حيث من المرجح أن يتحول مطلب الحفاظ على وحدة البلاد الشعار الرئيس لـ"الحزب الشعبي" الحاكم في إسبانيا، وللأحزاب الأخرى الرافضة لانفصال الإقليم.
ويتمتع رافضو الانفصال بدعم قوي من الاتحاد الأوروبي، حيث أرسل الناطق باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، رسالة قوية نيابة عن الاتحاد الأوروبي موجهة للانفصاليين شدد بها على ضرورة بأن على الإقليم احترام المعاهدات الأوروبية والالتزام بالدستور الإسباني. وتتفق كل آراء دول الاتحاد مع ما صرح به الناطق باسم الحكومة الألمانية.
الأغلبية الشعبية عددياً لم تؤيد الانفصال في الانتخابات البرلمانية المحلية الكاتالونية، وإجماع سياسي خارج دارة الانفصاليين على رفض الانفصال بأي شكل من الأشكال، موقف أوروبي يدعم الحكومة المركزية الإسبانية، لأن انفصال كاتالونيا سيفتح شهية العديد من الحركات الانفصالية في أوروبا، لكن كل ذلك لا يضع حلاً للأزمة المزمنة بين إقليم كاتالونيا، بل قد يزيد من سخونتها، وللتذكير أقر برلمان كتالونيا في 23 كانون الثاني/يناير 2013 ما سمي بـ"وثيقة الاستقلال" بأغلبية 85 صوتاً بمعارضة 41، وعلقت الوثيقة على تصويت سكان الإقليم، لتخرج الانتخابات الأخيرة بنتائج تخلط الأوراق، فالانفصاليون فازوا بالأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان المحلي، ومعارضو الانفصال يستطيعون أن يرفعوا في وجه الانفصاليين ورقة الأغلبية الشعبية العددية التي كانت ضد الانفصال.
معركة حامية الوطيس، بين مؤيدي انفصال لن يتعدى سقف استقلال افتراضي، على الأقل لفترة طويلة قادمة، وبين المدافعين عن وحدة أسبانيا مع معرفتهم بأن عدم وضع حل جذري للأزمة سيبقيها جرحاً نازفاً سياسياً، والحل الواقعي الوحيد يتمثل في حل وسط، بمنح استقلالية أكبر للإقليم، واستثمار كل الأطراف في تنمية المصالح المشتركة.