ولد فقيرا لأب يعمل في مجال العطارة. كان يساعد والده في عمله. قالوا إن له أصول مغربية. وكان أول من تولى مشيخة الأزهر رغم أصوله غير المصرية. منحته الطبيعة شغفا بالعلم وتحصيله، فساعده والده الفقير وشجعه على ذلك. صار علما موسوعيا من أعلام المعرفة والفكر المتجدد. وصفه الرافعي بقوله: "امتاز بالتضلع فى الأدب وفنونه، والتقدم فى العلوم العصرية، وكان هذا نادراً بين علماء الأزهر". إنه الشيخ حسن العطار الذي دعا إلى إصلاح التعليم في مصر، ويرجع له الفضل في إنشاء المدارس الفنية العليا. لا يمكن نسيان مقولته: "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها".
إنها ذكرى ميلاد هذا الرائد العظيم رفاعة رافع الطهطاوي، الذي ولد في 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 1801، في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج بصعيد مصر. ظهرت موهبة الشيخ رفاعة منذ نعومة أظفاره، حيث تميز بالذكاء وسرعة البديهة. وفي كل مراحل حياته كان مثلا يحتذى في الأخلاق والحرص على العلم وتحصيله. التحق بالأزهر الشريف وهو في عامه السادس عشر، وكان تلميذا نجيبا. درس علوم النحو، الصرف، الحديث، الفقه، التفسير. لكن أهم حدث في حياة الشيخ رفاعة هو سفره إلى باريس بفضل ترشيح الشيخ العطار له. وقد لقى كتابه الهام "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" نجاحا كبيرا إثر صدوره، كتبه عن تجربته أثناء تواجده في فرنسا للدراسة. بعد عودته أنشأ رفاعة الطهطاوي مدرسة الألسن، التي عنيت بتعليم اللغات والترجمة، عمل بها مدرسا ومديرا. بذل الشيخ رفاعة جهدا كبيرا في مشروعه الثقافي الكبير الذي كان يستهدف تحقيق نهضة حقيقية في مصر، من خلال العلم والمعرفة وتوظيف العقل والنقل بما يخلق وعيا مختلفا، يساهم في إعداد أجيال جديدة تحمل لواء النور والمعرفة، وتنقل البلاد إلى آفاق المستقبل المشرق. وكان له فضل في تطوير جريدة الوقائع المصرية التي أنشأها ورأس تحريرها الشيخ حسن العطار، حيث قام بإحداث تغييرات كبيرة عليها عندما تولى الإشراف عليها بعد عودته من باريس عام 1842، وصارت أول جريدة معنية بالأخبار في مصر. وقد أشرف الشيخ رفاعة على ترجمة العديد من الكتب التي أثرت المكتبة العربية، وترجم بنفسه حوالي 20 كتابا.
نتذكر هذا الرائد الكبير رفاعة الطهطاوي في يوم ميلاده، ونلقي عليه تحية تقدير وإعزاز واحترام وإجلال لما قام به من دور عظيم، ونتمنى أن تعرف الأجيال الجديدة قيمة هذا الرجل وتسير على نهجه، كما نأمل أن تحتل الترجمة المكانة التي تستحقها كجسر من ذهب، يحمل الأمم من الظلمات إلى النور، وأن ينال المترجمون التقدير اللازم، نظرا لأهمية دورهم.