1
الاتفاق جاء بمبادرة من الحكومة التركية وانتظر طويلا قرار رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك في ضوء المشاكل الداخلية التي يواجهها أردوغان وتعثر مفاوضات السلام مع الأكراد، وفضائح الفساد التي تلاحق النخبة الحاكمة، والتورط في دعم تنظيم "داعش" الإرهابي إلى جانب تراجع الاقتصاد وانخفاض قيمة الليرة التركيّة، والسياسة الخارجيّة الفاشلة، التي افقدت تركيا الكثير من علاقاتها مع دول المنطقة التي باتت تنظر بشك في سياسة أردوغان تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة.
2
خلال السنوات الأخيرة لم تترك النخبة الحاكمة في تركيا مناسبة، إلا وأطلقت سهام انتقاداتها والهجوم على إسرائيل، بحجة سياستها تجاه الفلسطينيين، حتى وصل هذا الهجوم إلى مرحلة غير مسبوقة في علاقات البلدين، بوصف أردوغان للسياسيين الإسرائيليين بأنهم "اسوأ من هتلر لأنهم يرتكبون جرائم إبادة للسكان في قطاع غزة".
3
هذا الموقف المتشدد من إسرائيل لم يعد موجوداً، وحل الرضا مكان الغضب من سياسة إسرائيل، واختفت التصريحات النارية التي كانت تدافع عن الفلسطينيين، وذلك بالتزامن مع دخول النخبة التركية في مفاوضات تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، والتي تفرض فيها الحكومة الإسرائيلية شروطها، وأن مطالب تركيا لن تعجز عنها إسرائيل، فهي ملزمة بالتعويضات، ولن تقبل بعودة العلاقات مع تركيا على حساب ما تراه تهديداً لأمنها، أو تعزيزاً لجماعات إسلامية تحظى بدعم من الحكومة التركية.
4
وضعت تركيا أراضيها تحت تصرف العناصر الإرهابية بهدف تغيير العادلة السياسية والميدانية في سوريا، الأمر الذي كان سبباً في انتشار الجماعات الإرهابية التي اكتسبت قوة ونفوذ في كثير من المناطق، مما دفع بالقيادة الروسية إلى ضرورة التدخل لوضع حد لعبث هذه الجماعات بمصير الاستقرار والأمن في المنطقة المجاورة للمناطق الجنوبية الحيوية لروسيا.
5
النجاح الذي حققته الضربات الروسية في مواجهة الجماعات الإرهابية، فرض سيطرتها على الأجواء السورية، وبسبب السياسة الخارجية الفاشلة، خسرت النخبة الحاكمة التركية آليات تنفيذ مخطط إنشاء منطقة عازلة أو آمنة في الأراضي السورية بطول الحدود المشتركة بين البلدين، ووضع أنقرة في مواجهة غير متكافئة من الممكن ان تلحق الضرر البالغ بالمصالح التركية سياسيا واقتصاديا.
6
الاتفاق مع إسرائيل أصبح سبيل أردوغان الوحيد للهروب من أزماته الداخلية وسياسته الفاشلة في الداخل والخارج، والحكومة بدأت تقدم التنازلات للحصول على الغاز الطبيعي من إسرائيل، وأن الاتفاق يسير في اتجاه معاكس لجهود استعادة الحقوق الشعب الفلسطيني، ومعاد للشعب التركي وأهالي ضحايا الهجوم على "مرمرة"، الذي يملكون وحدهم الحق في التعويض، ويتناقض مع تصريحات الرئيس التركي الذي أكد أن "أصحاب الحق هم من سالت دماؤهم".
7
التصعيد الذي افتعله أردوغان خلال السنوات السابقة ضد إسرائيل، لم يكن من منطلق حماس ديني أو قومي، كما كان تروج النخبة الحاكمة في انقرة، كذلك فإن حرص الجانبين على تطبيع العلاقات إنما يأتي في إطار التعاون العسكري المشترك بين إسرائيل وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، وحتى لا تكون الأزمة مع تركيا حجر عثرة في التعاون مع الحلف.