شهوة الدواعش للقتل لا تقف عند حد، فهم لا يكترثون لنهي ديني، ولا يعيرون انتباها لوازع أخلاقي، ولا يحفلون برادع إنساني، ورغم صدمات الجرائم التي ارتكبوها، لاسيما خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، من قطع للرؤوس، وحرق الناس وهم أحياء، وسبي النساء وبيعهن في سوق نخاسة، وتدمير الآثار والأوابد… إلخ، إلا أن واحدة من الجرائم التي ارتكبوها مؤخراً في مدينة الرقة أصابت بالذهول كل من سمعوا عنها، لفظاعتها.
في تفاصيل الجريمة الجديدة للدواعش، والأكثر بشاعة وخسة، أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، وهو ما أكده أيضاً شهود عيان من أبناء الرقة، أن أحد المنتمين إلى تنظيم "داعش" قام بإعدام والدته، أمام حشد كبير من الناس وسط المدينة، عقاباً لها على طلبها منه ترك التنظيم، وحضها له على الهرب معها إلى خارج مناطق سيطرة "داعش".
الجريمة مثبتة وموثقة، الشاب الذي ارتكب هذه الجريمة اسمه علي صقر، ويبلغ من العمر 20 عاماً، ووالدته (الضحية) اسمها لينا القاسم وعمرها 45 عاماً، من سكان مدينة الطبقة وتعمل في الرقة، وعملية الإعدام وقعت يوم الأربعاء الماضي أمام مبنى البريد في مدينة الرقة، أما التهمة التي وجِهت لها فهي (الردة)، وكأن التعرض لتنظيم "داعش" بأي شكل من أشكال النقد مس بأصول العقيدة الإسلامية.
المفجع في هذه الجريمة هو غسل دماغ شاب في مقتبل العمر، والسيطرة على عقله بأفكار تحريفية مشوهة، إلى درجة جعله يقدم على قتل والدته بتهمة (الردة)، وأن يرتكب مثل هكذا جريمة بدم بارد، وفي ظل تغييب عقله بحشوه بمفاهيم مغلوطة عن التعاليم والقيم الإسلامية، يتوهم بأنه (ينفذ شرع الله).
وللأسف، إن حالة الانحراف والاستلاب والتخبط والضياع، الفكري والنفسي والأخلاقي، إلى حد الوحشية المفرطة، ليست حالة فردية شاذة يمثلها علي صقر الذي قتل والدته في مدينة الرقة، فهناك الكثير من الروايات عن شباب منهم من قتل أباه أو أخاه أو قريبا له بتهمة الردة والكفر، لمجرد أن الضحية طلب منه ترك تنظيم "داعش". وهي قسوة مقصودة من قادة الدواعش، لإعطاء صورة مخيفة عن مقاتليهم، تظهر كيف تحولت قلوبهم إلى قلوب ميتة بعد عمليات غسل الأدمغة التي تعرضوا لها، وأنهم على استعداد لارتكاب أبشع أنواع الجرائم، الأمر الذي لابد وأن يثير الخوف والهلع في نفوس المدنيين العزل، وهو ما يريده الدواعش لإطالة عمر سيطرتهم على المناطق الخاضعة لهم، وقمع سكان هذه المناطق وتكميم أفواههم، والتمدد إلى مناطق أخرى إذا ما توافرت ظروف مواتية.
إلا أن مثل هكذا جرائم بشعة لا بد أن ترتد عكساً على تنظيم "داعش"، فالوحشية والهمجية المفرطة، في طبيعة جرائم الدواعش وأدوات تنفيذها، كشفت الوجه الإجرامي البشع لتنظيم "داعش" المتطرف، الذي حاول أن يتستر وراء الدين الإسلامي، والإسلام والمسلمون منه براء، فالدواعش هم أكثر من أساءوا للمعتقدات والتعاليم والقيم الإسلامية وشوهوا صورة المسلمين أمام العالم، وأمام أنفسهم قبل ذلك، فالأطفال والفتية والشباب الذين روعتهم جرائم "داعش" سيحتاجون إلى سنوات طويلة حتى تندمل الجراح في نفوسهم.
وبارتكابهم لجريمة حث ابن على قتل أمه بتهمة (الردة)، وهي لم تفعل شيئاً سوى الطلب من ابنها ترك جماعة ضالة ومضللة، يكونوا قد وصلوا إلى درك انحطاطهم الأخلاقي والإنساني، وانكشف إلى غير رجعة فسقهم ودجلهم، فالإساءة إلى أحد الوالدين واحدة من أكبر الكبائر في الإسلام، فكيف إذا وصل الأمر إلى القتل..
الإسلام الحق يدعو إلى بر الوالدين، يقول تعالى في القرآن الكريم: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (سورة الإسراء آية 23 — 24). هذا هو الإسلام الحق، وليس النموذج المشوَّه الذي يريد الدواعش أن يفرضوه بحد السيف.