تختلط المشاعر عليك، ما بين الفرح والحزن… هل هذه مدينة للحرب والحزن؟… هل هذه مدينة يمكن لأي شخص يقطنها أن يفقد حياته بلحظة، نتيجة سقوط القذائف والصواريخ في كل الأوقات؟
مدينة تعيش كل تفاصيل الحياة، كأي مدينة من مدن الشرق، ورغم الألم والقهر ترفض الموت… ترفض الاستسلام والهزيمة… وبات حتى أطفالها لا يكترثون لصوت انفجار قذائف العصابات الإرهابية المسلحة التي ترمي بها مدينتهم.
وعلى أطراف المدينة، على الضفة الأخرى، هناك حياة أخرى كاملة يعيش تفاصيلها أفراد أخرون من الشعب السوري… هناك عناصر الجيش العربي السوري، وليس بعيداً عنهم هناك العناصر الإرهابية التي قدمت من كل بقاع الأرض.
في شمال شرق دمشق، بين باب توما والقصاع والتجارة غرباً والقابون شمالاً وعين ترما وزملكا شرقاً وزملكا والدويلعة جنوباً، تقع بلدة "جوبر"، التي تعد من المناطق الأكثر خطورة قرب العاصمة السورية دمشق، نتيجة قربها من المدينة.
هنا حياة كاملة يعيشها حراس المدينة… حراس أحلام السوريين… يحرسون العشاق والتجار والصناعيين، وحتى رواد المقاهي و"نرجيلتهم"، حتى المعارض الذي لا تمارس نشاطاً حربياً… يحرسون الجميع دون تفريق.
ترى كيف يعيش هؤلاء الجنود أيامهم؟ كيف يأكلون ويشربون؟ كيف ينامون؟ ماهي طريقة التواصل مع أهلهم وذويهم؟ أين أصبحت أمنياتهم وأحلامهم المؤجلة؟
وكالة سبوتنيك في جوبر
كل الطرق إلى جوبر غير سالكة وغير آمنة، لذلك عليك سلوك طرق معينة للوصول بأمان، من العباسيين إلى منطقة المدارس، ومن ثم إلى بناء المعلمين، وبعدها إلى كمائن و"دشم" الجيش العربي السوري.
للوهلة الأولى تظن أن الحي قد تعرض لهزة أرضية أو زلزال، لكن عندما ترى الجنود وأسلحتهم، وتسمع صوت أزيز الرصاص وبعض الرشقات المتفرقة، تدرك أنك الآن في ساحة حرب حقيقية.
هنا في جوبر… وبين ركام البيوت المدمرة والخالية كلياً من السكان، نتيجة عمليات الإرهاب والتخريب التي قامت بها العصابات المسلحة، يعيش عناصر الجيش العربي السوري، واضعين أرواحهم على أكفهم، متحدين جميع الظروف السيئة التي تحيط بهم، رغم آلامهم وحرمانهم من الكثير من مقومات الحياة… هم مستمرون في الدفاع عن التراب السوري مع إيمان مطلق بأن النصر أت لاريب فيه.
تعد جوبر، منذ أكثر من عامين، منطقة غير مستقرة، فالصراع القائم بها ما بين كر وفر… وبعيداً، قليلاً، عن الاشتباكات ورائحة الدم والرصاص، قامت وكالة "سبوتنيك" بزيارة ميدانية لعناصر الجيش العربي السوري في إحدى أهم القطاعات، والتي لم يستطع المسلحون تسجيل أي نقطة تقدم لمصلحتهم فيها، فهم يخدمون على خط التماس بالقرب من أماكن تواجد المسلحين، يعمل الجنود السوريون في بيوت قامت يد الإرهاب بانتهاك حرماتها وتفجيرها قبل الانسحاب منها، وهي أشبه بالركام ، لكن عناصر الجيش قاموا بإنعاشها وأعادوا دورة الحياة إليها من جديد، وتمركزوا فيها متخذين مواقع لهم، وهي تسمى باللغة العسكرية "الكمائن".
تغيرت ملامح هذه البيوت التي يقطن بها الجنود ولا توجد فيها أدنى مقومات الحياة.
خائن ومطلوب
وتحدث أحد العناصر من الجيش العربي السوري ويدعى "محمد" (24 عاماً)، لوكالة "سبوتنيك"، وقال، أنا مطلوب من قبل العصابات الإرهابية لأنني من منطقة جوبر، ولقد قاموا بقتل أخي الصغير الذي لم يتجاوز 12 سنة، بحجة أني خائن ولم أقف معهم في ما يسمونه ثورة، ولأول مرة أسمع بثورة عناصرها من خارج البلاد.
يكمل محمد حديثه والدمعة تبرق في عينيه… "أنا أحب وطني ولا أريد أن نخسر أكثر… فرائحة الدماء أصبحت تزكم الأنوف وفي كل مكان… نريد أن نحرر كل المناطق التي غزاها الإرهاب ودمر بيوتها وشرد أهلها".
جرائم تحت مسمى الدين
أما الجندي "خالد" (30 عاماً)، فهو عسكري احتياط، فيقول لـ"سوبتنيك"، "اعتدنا على حياتنا هذه أنا من محافظة الرقة، وأهلي ما زالوا محتجزين لدى ما يطلق عليه تنظيم "داعش" الإرهابي… التحقت بالجيش بعدما استطعت الخروج من محافظتي عقب احتلالها من قبل داعش".
ويكمل "خالد"، "إن الذي شجعني على الالتحاق بالجيش هو ما شاهدته من جرائم حقيقية تحت مسمى الدين… "داعش" حرمت ومنعت السجائر… وأنا لا أستطيع العيش من دون شرب السجائر".
وعند سؤاله، "ألا تخاف أن يتعرض تنظيم "داعش" لأسرتك القاطنة في محافظة الرقة؟… أجاب، "الحامي رب العالمين … وأنا على ثقة من أننا سنحرر جوبر وجميع المناطق المحتلة في سوريا".
وطننا… شرفنا
أما أبو محمود (53 عاماً) من حلب، فقال، لـ"سبوتنيك"، "قتل ابن أخي الوحيد أمام عيني، مما أثر علي بشكل كبير، لذلك قررت الالتحاق بالقوات المرادفة للجيش العربي السوري".
وتابع أبو محمود، "أولادي ما زالوا في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية، وأرغب أن يكملوا دراستهم في بلد أمن خالي من الإرهاب والقتل والدمار… لذلك من واجبنا أن ندافع ونقاتل كل من يحاول تدميره".
واعتبر حنا قطريب (40 عاماً) من طرطوس، في حديثه "لسبوتنيك"، أن "البلد هو الشرف، وكل مواطن شريف عليه أن يحافظ على عرضه".
وتابع، "أنا لا أعدّ الأيام التي أكون فيها بعيداً من أهلي، أهل الدم والقربة، فأنا في كل منطقة أكون فيها أعتبر كلّ شخص من أهلها هو أحد أفراد عائلتي… فلقد كنت في منطقة الغوطة واستطعنا تحرير 42 قرية من قراها، من أولئك الذين يحاولون العبث بأمان وطننا".
لا شيء يعوض حنان الأب
أما العسكري حمزة إسماعيل من حماة (26 عاماً)، فأكد لـ"سبوتنيك" بأنهم في مرحلة صعبة ومن الممكن تأجيل كل شيء من أجل الوطن.
وقال، "منذ بداية الحرب، قررت الالتحاق بالجيش العربي السوري، رغم أنني طالب جامعي وتأخرت عل الالتحاق بالجامعة، من أجل الدفاع عن الوطن… ولكن من أجل أهلنا من واجبنا أن نحارب".
وأضاف حمزة، "منذ خمس سنوات لم أر أهلي… ورغم ذلك قررت الارتباط خلال الفترة القريبة وطلبت من والدتي أن تطلب يد الفتاة التي أحبها … فالأزمة سوف تنتهي ونحن سنكمل حياتنا".
أما يوسف أبو الحسن، من وادي العيون (35 عاماً)، فقال، لـ"سبوتنيك"، "قررت حمل السلاح بعدما شاهدت أول مجزرة ارتكبت في منطقة جسر الشغور… والإرهابيون قاموا بتفجير منزلي بحجة أنني خائن ومع الجيش السوري".
ويتابع يوسف، "لا شيء يعوض الأطفال عن حنان الأب … ولكن عندما يسمعون صوتي ويعلمون أني بخير وأنا على الجبهة، لكي يبقى هو بخير… يشعر بالفخر والسعادة… فأطفالنا كبروا قبل الآوان وأصبحوا يعلمون ما هي الحرب".
وأضاف يوسف، "من اللحظات التي أضحكتني خلال تواجدي على الجبهة في إحدى الاشتباكات مع العصابات المسلحة، أنه تم إذاعة أسماءنا عبر المكبرات للاستسلام… خلالها لم يتم إذاعة اسم صديقي، فقال لي لماذا لم يذيعوا اسمي؟… فأجبته أنت راسب عليك إعادة السنة".
تحدّث الجندي منصور محلا (25 عاماً)، وهو من اللاذقية، قائلاً، "أنا شاب لم أتمّ الخدمة العسكرية، وقمت بدفع البدل النقدي ولا أعلم شيئاً عن الحياة العسكرية، لكن عندما بدأت الحرب ضد بلدي لم أستطع الوقوف متفرّجاً أو الاكتفاء بالدّعاء للجيش… فاتخذت قراري وتخليت عن الحياة المدنية لألتحق بصفوف المدافعين عن تراب الوطن المقدس".
وأضاف منصور، "وأهلي ليسوا بعيدين عني كثيراً، ولكن ظروف الحرب تمنعني أن أكون قريباً منهم".