يزداد الوضع المتازم حول الأزمة في سورية حدة يوما عن يوم خلال الفترة الأخيرة. فإذا ما نظرنا على سبيل المثال إلى نتائج كل من مؤتمر جنيف الذي تم قطعه من أول الطريق، وإلى لقاء بروكسل وما تمخض عنه من بيانات تظهر بأنها لا تسمح بالقيام بأي عمل عسكري بري في سورية من قبل السعودية وتركيا، وكذلك الأمر في مؤتمر ميونخ لمجموعة الدعم الخاصة بسورية، بغض النظر عن اللقاءات الجانبية، في حقيقة الأمر لا نرى أي تطور من شأنه أن ينبىء بقرب الحل السياسي الذي يطالب به الجميع، بدءا من استمرار الدعم اللوجستي والفني والحيوي والمادي للمجموعات الإرهابية عبر تركيا والتحضيرات الجارية في الجار الأردن، ولكن إذا ما قرأنا التصريحات التي جاءت على لسان رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف قبل أن يصل للمشاركة في مؤتمر ميونخ، حيث قال وبشكل واضح إن العلاقات متأزمة مع الولايات المتحدة وتذكّر بالعودة إلى أيام الحرب الباردة، وعبّر عن السخط الروسي من النهج الأمريكي في التعامل مع الملفات الساخنة وخاصة الملف السوري. زد على ذلك أن رئيس الوزراء الروسي كان قد حذر من نشوب حرب عالمية في حال جرى أي تدخل بري عسكري في سورية، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن قراءته إلا على أنه تحذير واضح لجميع الدول التي تسعى لشن الحرب على سورية، وكذلك تحذير الرئيس السوري بشار الأسد في حوار له مع إحدى المؤسسات الإعلامية الفرنسية حول أن محاولة السعودية لشن حرب على سورية لن تلقى إلا الرد الصارم وأن الجيش السوري جاهز للمواجهة وصد أي عدوان، ومع ذلك فهو استبعد أن تتجرأ السعودية على مثل هذه الخطوة، وكذلك التصريحات الدولية الخاصة بمتابعة العمل على الملف الإنساني في جنيف، وتصريحات منظمة الأمن الجماعي وأهمية مكافحة الإرهاب، والتصريحات الإيرانية الحازمة التي لم تخل كالعادة من التحذير والتهديد والوعيد من مغبة أي خطوة رعناء لإشعال الحرب في المنطقة، وغيرها من التصريحات الأخرى التي بمجملها تحذر أصلا من مغبة نشوب الحرب في المنطقة، ليأتي بعد كل هذا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ويسير عكس كل التيارات التي تدعمه والتي تقف ضده أيضاً، ويؤكد عزم السعودية على التدخل البري العسكري في سورية لمحاربة "داعش" وإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، وأنه لا يمكن محاربة الإرهاب دون إسقاط حكم الأسد، وهذا التصرف الذي لا يليق بمنصب وزير خارجية لدولة تعتبر نفسها محورية في المنطقة أن لا يلم بأبسط قواعد السياسة والدبلوماسية، والاشتباك الميداني في حال حدث، ولا يقدّر عواقب ما يتحدث به عن المنطقة والعالم وعن أمن بلاده التي تقف بتعنت كبير في وجه أي حل سياسي حقيقي في سورية، ويتناسى حجم القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تقف إلى جانب دعم الحل السياسي في سورية، وهو الذي لم تستطع بلاده خلال عام تقريباً أن تحقق أي هدف في الحرب على اليمن سوى قتل المدنيين والأبرياء وتدمير مقدرات الدولة اليمنية.
إذاً الوضع في حقيقة الأمر وصل إلى طريق مسدود، لايمكن التكهن بما قد ينتج عنه، ما لم يتم لجم السعودية وتركيا من قبل المجتمع الدولي الذي لم يعد له أي حضور أصلاً سوى بشكل فردي وحسب المصالح لهذه الدولة أو تلك، ماعدا الدولة الروسية التي تعمل لصالح الحل السياسي ولمكافحة الإرهاب.
إعداد وتقديم نواف إبراهيم.