لكن الدولة ككيان يتشكل بفكر فرد أو مجموعة من الأفراد كذلك، لذا فهو كيان يعكس فكر قادته، ويحتمل هذا الفكر الصحة أو عدمها.
ووسط المشهد السياسي العبثي الذي نراه في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، تبرز بعض الشواهد التي ربما تعكس ميلا عدميا لدى بعض الدول، من خلال بعض القرارات السياسية والتوجهات التي تدفع تلك الدول إلى مواجهات غير ضرورية، وليس لها فائدة على المدى القريب ولا البعيد، ولا علاقة لها حتى بمنطق المصلحة، رغم أنها تمثل أهمية لفئة محدودة جدا، وناتجها كارثي على كافة المستويات الأخرى.
والمتأمل للحالة المصرية جيدا، يرى أن مشكلات البلاد تتفاقم، مع عدم وضوح الرؤية السياسية تماما. يمكن استثناء قطر من مسألة المشاكل الداخلية، نظرا لاستقرار الوضع في تلك الدولة الصغيرة إلى حد ما، لكن الواضح أن هناك حالة استنزاف كامل لعائدات قطر في أمور هي في غنى عنها، إضافة إلى تورطها في تدخل مباشر في دول كثيرة بالمنطقة، رغبة منها في تحقيق نوع من التواجد السياسي والثقافي المؤثر على حساب دول قديمة ذات تقاليد راسخة مثل مصر.
الأمر بالنسبة للمملكة العربية السعودية يبدو أكثر تعقيدا، حيث بدأت الخلافات الداخلية تطفو على السطح، ولم تسفر سياسات المملكة السياسية والعسكرية عن نتائج جيدة، مما فتح الباب أمام حالة تذمر واضحة لم تكن موجودة في السابق. أما على مستوى السياسة الخارجية، فالواضح أن المملكة تحقق خسائرا كبيرة متزايدة جعلت صورة المملكة مهتزة على المستوى الدبلوماسي، مع عدم وضوح الرؤية من فلسفة السعودية في حربها ضد اليمن، أو مساعداتها للجماعات المتطرفة في سوريا والعراق.
أما تركيا، فهي في واد آخر تماما، خاصة بعد أن انكشفت تدخلات تركيا المباشرة في الداخل السوري والعراقي، ومساعداتها ودعمها غير المحدود لمقاتلي "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية. وقد وضحت العلاقة المباشرة، وحالة التفاهم الكبير بين قطر وتركيا، وهو ما ظهر من خلال الدعم القطري لتركيا بعد أزمة الغاز مع روسيا بعد حادث الطائرة.
هل قررت هذه الدول الانتحار عن عمد، أم أن الأمر يتعلق بغياب الرؤية الصحيحة للأمور؟ هل عجزت بالفعل تلك الدول عن قراءة المشهد جيدا، أم أنها تعي جيدا ما تريد وما هي مقدمة عليه؟ لم يصب هذه الدول بعد ما أصاب العراق، سوريا، أو ليبيا، لكنها على ما يبدو تخطو بخطى ثابتة نحو هذا المصير، والمستفيد الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)