بداية، وكما قال نيتشه، علينا أولا تعريف ما نبحث عنه، فعلينا إذن أن نقوم أولا بتعريف الديمقراطية. الديمقراطية في جوهرها تقوم على فكرة الاختيار الحر من الناس لمن يحكمهم، مع حفظ حقهم في تنحيته ما لم يلتزم بما تعهد به أمامهم.
كما تؤكد الديمقراطية على حق مواطني الدولة في المشاركة في النشاط السياسي والمدني، مع الحرص على توفير الحماية الكاملة لحقوق الإنسان، وتأكيد المساواة بين كافة مواطني الدولة في الحقوق والواجبات.
وفي إطار نظام ديمقراطي، حرية الاعتقاد مكفولة للجميع، فلا يجب أن تفرض الدولة، أو أي من مؤسساتها على مواطن بالدولة على أي من مواطنيها الايمان بعقيدة بعينها. للفرد الحق في التعبير والفكر، ومن غير المعقول بالطبع أن تطالب بحرية الفكر والتعبير لذاتك وتنكره على غيرك، فمفهوم الديمقراطية يؤكد على حرية الفكر والتعبير بما لا يمس حرية الآخرين وتمتعهم بحقوقهم على نحو عادل. لذا على كافة المواطنين، بينما يتمتعون بهذه الحقوق، أن يلتزموا التزاما كاملا بالقانون، وأن يمارسوا هذه الحقوق باحترام كامل لحقوق الآخرين.
وبينما كان الربيع العربي في ظاهره محاولة من الشعوب لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، وبناء دولا ديمقراطية حديثة، تقيد فيها يد الاستبداد، وتطلق فيها يد الإبداع، مع توفير العدالة للجميع، دون تمييز، كان الربيع العربي في جوهره محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية وفريق الحلفاء، وعلى رأسها إسرائيل، لتفتيت العالم العربي وإعادته إلى الحالة القبلية. ونظرا لأن معظم الدول العربية تعاني من الفساد والترهل، في ظل أنظمة غابت مؤسساتها وصدأت هياكلها التنظيمية، فقد عجزت عن حماية أفراد الشعب من الاستبداد والقهر، وصارت ظلا للحاكم وجماعات المصالح حوله.
لذا لم يكن من العسير على الفريق الأنجلوأمريكي أن ينجح ببراعة في خلخلة هذه الأنظمة، مع تصدير الرعب والتوتر لجماعات المصالح بتلك الدول، وإعداد المشهد لمرحلة جديدة، تلك المرحلة التي ستسيطر فيها الجماعات المتطرفة المسلحة، التي تدين بالولاء للولايات المتحدة وفريقاه، على بقايا تلك الدول، التي ستشكل دويلات متناحرة، تغني الكبار عن العناء، وتجعلهم يتمتعون بالثروات والنفوذ بأقل تكلفة. أما الكلام عن حقوق الإنسان، وحرية الشعب في اختيار حاكمه، ما هو إلا مادة للاستلهام الإعلامي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)