تتوالى ردود الأفعال على قرار المملكة العربية السعودية الأخير بشأن لبنان، الذي أعلنت بمقتضاه توقّف منح المساعدات الداعمة لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن، على خلفية إجراء مراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين، قال مصدر رسمي سعودي بأنها جاءت "نظراً للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين..". وأضاف المصدر: "المملكة العربية السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى (حزب الله) اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد.. فضلاً عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها (حزب الله) ضد المملكة..".
الاستفاضة في الاقتطاف مما قاله المصدر السعودي ضرورية لتوضيح ما الذي تريده الرياض من الحكومة اللبنانية، ومن حلفائها بالتحديد المشاركين في حكومة تمام سلام، ووصلت الرسالة سريعاً، فهي تريد خطوات عملية على صعيد السعي إلى تغيير بوصلة السياسات الخارجية اللبنانية، وتحجيم دور "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" بزعامة ميشال عون، واستعانت السعودية في ذلك بتأييد الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
وبالفعل تحولت المطالب الواردة في الرسالة السعودية، المدعومة خليجياً، سريعاً إلى برنامج عمل لدى حلفاء المملكة، كشف عن خطوطه العامة وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، بعد ساعات قليلة من صدور القرار السعودي، حيث قال المشنوق في تعقيب له إنه لا يرى في الخطوة إلا إعلان "مواجهة وليس انسحاباً من لبنان"، وكشف عن إعلان كبير في بيروت، تمثَّل في اليوم التالي في بيان شديد اللهجة صدر عن "قوى 14 آذار"، بحضور زعيم تيار المستقبل سعد الدين الحريري، حملت فيه تلك القوى" حزب الله" وحلفائه مسؤولية "افتعال المشكلة مع المملكة السعودية ودول الخليج، وغيرها من المشكلات"، و"ضرب استقرار لبنان المالي والمعيشي"، وطالبت "حزب الله" بـ"الانسحاب من القتال في سورية والمنطقة التزاماً بسياسة النأي بالنفس..".
وعملياً؛ قرعت استقالة وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، جرس إنذار للتأكيد على أن إسقاط الحكومة قد لا يبقى خطاً أحمر، وهو الشيء الذي لوّح به في شكل غير مباشر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وزعيم "تيار المستقبل"، سعد الدين الحريري، بعدم استبعاده رفع سقف المواقف السياسية إذا لم يتراجع "حزب الله" عن مواقفه، وختم الحريري دردشة أجراها مع الصحفيين، بعد اختتام المؤتمر الصحفي لـ"قوى 14 آذار" يوم أمس الأحد، بالقول: "إن المطلوب من مجلس الوزراء غدا موقف واضح، وإلا سيكون لنا كلام آخر".
في تحليل السياق الذي جاءت فيه الخطوة، من الواضح تماماً أن القرار السعودي لم يكن مفاجئاً لأي من حلفائها في لبنان، بل أعطي الحلفاء فترة كافية لترتيب مواقفهم وبلورتها، واستتباعها مباشرة بخطوات عملية، كان وزير الداخلية اللبناني صريحاً ودقيقاً في وصفها بـ"المواجهة"، دون أن يبين حدودها. ولم يكتف بتأييد القرار السعودي المدعوم خليجياً، بل اعتبر أنه "جاء متأخراً، وكان يجب أن يأتي قبل ذلك.. وهو مؤشر إلى ضرورة زيادة المقاومة في لبنان وتحسين القدرة على منع تحويل لبنان وحرف بوصلته إلى أي اتجاه أو محور غير عربي..".
والجملة الأخيرة تشير إلى أن لبنان يواجه خلال الفترة القريبة القادمة خطر تحوله إلى ساحة ساخنة لصراع بالوكالة، قطباه الرئيسيان السعودية وإيران، سيدفع لبنان نحو الغرق في تداعيات الأزمة السورية، التي استطاع حتى الآن أن يحد منها، بتوافق كل القوى اللبنانية على عدم تحويل الخلاف حول الأزمة السورية إلى صراع داخلي في لبنان.
ولا ريب في أن القرار السعودي المدعوم خليجياً من شأنه أن يخلط الأوراق الداخلية اللبنانية بشدة، في عملية تضع لبنان على مرجل مجاهيل سياسية وأمنية، حماية لبنان منها تفرض على جميع القوى السياسية اللبنانية الجلوس إلى طاولة الحوار للتوافق على سبل إبعاد لبنان عن التداعيات والارتدادات الساخنة للأزمة السورية والصراع الإقليمي، مع التحذير من أن لبنان بتركيبته وظروفه الخاصة لا يقدر على تحملها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)