إن تركيا تحاول جاهدة في طريق التحول نحو "النسخة الباكستانية"، التي تعد بمثابة النسخة العثمانية الجديدة من "ثقافة الكلاشنيكوف". وفي سوريا، يبدو أن روسيا وتحالف "4+1" — مع سوريا، إيران، العراق وحزب الله — يفعلون ما بوسعهم لإيقاف "اللبننة" (القطبية العرقية والمذهبية)، و"الصوملة" (إنهيار الدولة)، و"الأفغنة" (قوة الجهاد).
السؤال الآن يدور حول إمكانية مساندة موسكو — سياسيا وعسكريا- لحزب العمال الكردستاني ولوحدات حماية الشعب.
لا تنحاز موسكو حقيقة إلى بناء دولة كردستان كما تفضل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. فيفضل محور إسرائيل — الولايات المتحدة الأمريكية بعض فئات من الأكراد: حكومة الأكراد الإقليمية في شمال العراق، التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع أنقرة (ملاك تصدير البترول). لا يعرف أحد كيف ستتآلف كردستان سوريا التي يسيطر عليها وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني مع معادلة معقدة بالفعل.
ربما يكون الخط الأحمر لأنقرة واضحا، بينما أي كردستان قد تمثل خطا أحمرا.
التغزل بتل أبيب
وفي يأس، يحاول أردوغان معاودة التغزل بإسرائيل. وفي هذه الحالة، ربما يظهر حريق السلطان على الأوراق.
لعبة إسرائيل الممتدة هي لعبة الطاقة: عليها التأكد من توافر مدد مستمر من النفط الكردي — كما الحال في النفط المسروق من بغداد — من خلال خط كركوك — حيفا. وعلى المدى الطويل، تفضل تل أبيب تجاوز سيهان واستبداله بحيفا كمحطة إمداد النفط الرئيسية في شرق المتوسط.
لا يريد المستعمرون الجدد كردستان الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية مجرد إنشاء دولة سورية في الشمال، بل مستعمرة عراقية في الشمال، أرض تابعة يحكمها برزاني. ولا يعني هذا سوى حرب بين العراق (بمساندة إيران) وحكومة كردستان الإقليمية (التي تساندها تل أبيب وواشنطن). ووفق السيناريوات المتوقعة، ربما يكون هذا الخيار متوقف مؤقتا.
وتفضل موسكو حاليا أن تركز على تعرية أنقرة في مفاوضات السلام السورية، التي تبدو لأسباب واقعية، تلخيصا للعبة الأمريكية الروسية.
وكلما ظل أردوغان تابعا لواشنطن وعدوا لإسرائيل، ربما لن يعرف بالضبط أين تقف إدارة أوباما.
منذ أسابيع مضت طلبت إدارة أوباما من أردوغان نشر 30 ألف جندي على الجانب التركي. وفي نفس الوقت، كان فريق أوباما يأمل أن قوات أردوغان ستتمكن من تصفية واحتلال مساحة 98 كيلومتر طولا و30 كيلومتر عرضا داخل مناطق سوريا تغطي "منطقة الأمان" بالنسبة لأردوغان. وربما تحتاج أنقرة فقط لذريعة لاحتلالها مع توافر غطاء جوي أمريكي.
وبعد إسقاط الطائرة العسكرية الروسية "سو 24" واستخدام روسيا لـ"إس 400"، أصبحت هذه الخطة على بعد خطوات من حيز التنفيذ.
ومن وجهة نظر الكثيرين من جبهة المطالبين بـ "وجوب رحيل الأسد"، فإن اسم اللعبة الآن في سوريا "تمسك بما لديك". وعلى أردوغان، الذي يبدو يائسا، أن يقبل طريق الجهاد الذي اتخذه للانسحاب من الحدود التركية، وأن ينتظر للنافذة التالية التي تتيح له الأخذ بثأره (وهو ما لن تسمح به روسيا).
لكن اللعبة الأهم الآن، لكل اللاعبين، هي دولة خط الأنابيب. من سيسيطر على الكم الأكبر من النفط والغاز عبر "العراق-سوريا"، أسئلة عديدة بمثابة ألغاز عصية على الحل، ربما الآن فقط، لكن الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عليها وكشف الحقائق الغائبة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)