كسر الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيارته للعاصمة الكوبية هافانا أربعة وخمسين عاماً من القطيعة بين البلدين، كما أن زيارته لهافانا هي الأولى لرئيس أميركي منذ تسعين عاماً، ولذلك تستحق النظر إليها كحدث استثنائي، يستكمل فيه الرئيسان الأميركي والكوبي عملية المصالحة بينهما، التي جرت كانون الأول (ديسمبر) 2014، وتتويج عملية تطبيع العلاقات بين بلديهما، بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في تموز (يوليو) 2015.
ويسجل للرئيس أوباما أنه كان حكيماً عندما اعترف بحقيقة فشل سياسة الحصار والعداء ضد الحكومة الكوبية، على امتداد ما يقارب ستة عقود، وإن جاء تصويب هذا الخطأ التاريخي متأخراً، حيث كان يجب على أوباما أن يعمل على ذلك منذ بداية ولايته الأولى، استناداً للمبادئ التي أعلنتها في حملته الانتخابية عام 2008، لكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً، فزيارة أوباما لهافانا عبدت الطريق أمام أي رئيس أميركي قادم للاستمرار في عملية إعادة بناء وتشغيل العلاقات الأميركية- الكوبية، ومن زاوية أوسع إتباع واشنطن لسياسة جديدة إزاء دول أميركا اللاتينية، التي لم يعد باستطاعة واشنطن التعامل معها كحديقة خلفية للبيت الأبيض.
غير أن أوباما لم يغادر تماماً أرضية الخطاب السياسي الرسمي الأميركي التقليدي حيال كوبا، بحديثة في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس راؤول كاسترو، ضمن قالب تقديم نصيحة، عن ضرورة تحسين كوبا لسجلها الديمقراطي والحقوقي. إلا أنه كما كان متوقعاً رد عليه الرئيس كاسترو بإدانة نهج الولايات المتحدة القائم على ازدواجية المعايير، بينما لم يكن بمقدور أوباما الرد على الرد، فثمة عشرات الأمثلة على ذلك، في حين لا تستطيع واشنطن إثبات إدعاءاتها حول وجود معتقلين سياسيين في كوبا، فقد تحدى كاسترو في المؤتمر الصحفي المشترك مع أوباما، في رده على سؤال أحد الصحفيين الأميركيين، تقديم قائمة بأسماء معتقلين سياسيين في كوبا، والتحدي بالطبع موجه في النهاية للرئيس الأميركي وإدارته.
رغم أهمية ما سبق، تظل اللقطة الأكثر إثارة، في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأميركي ونظيره الكوبي، حين منع الرئيس راؤول كاسترو الرئيس باراك أوباما أن يربت على كتفه، وهو تقليد اعتاد أوباما على إتباعه مع كثير من الزعماء الذين يلتقي معهم، وقام كاسترو برفع يد أوباما عالياً، مما شكّل إحراجاً كبيراً للأخير.
عموماً قد يكون أوباما يقصد إظهار المودة حين يربت على كتف الآخرين، بيّْد أنها حركة غير مستحبة في العلاقات الرسمية، فما بالك حين تكون في التعامل بين زعماء دول. البعض عزا انزعاج كاسترو من تلك الحركة نظراً لخصوصية العلاقة التاريخية بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، وربما يكون هذا السبب عاملاً من عوامل ردة فعل الرئيس كاسترو السريعة، لكنه بالتأكيد ليس السبب الأساسي، ولعل الرئيس الكوبي أراد أن يعلم نظيره الأميركي درساً في بروتوكول التعامل بين الرؤساء، تأخر أوبا كثيراً في تعلمه.
بالعودة إلى دراسات علم الاجتماع أظهرت العديد منها أن التربيت على كتف الآخرين لا ينظر إليها دائماً على نحو إيجابي، ففي دراسة أجراها فريق عمل مختص، من جامعة "كيه يو ليوفين" البلجيكية، أظهرت النتائج أن اللمس في التعاملات الرسمية له تأثيرات ضارة في كثير من الأحيان، وفي حالة التربيت على الكتف قد يستخدم على الرغبة في الهيمنة أو السيطرة، ما يضع الشخص الآخر في مركز الخاضع، لاسيما عندما يستخدم هذا الأسلوب في الزمان والمكان الخاطئين، ونظراً لتاريخ العلاقة المضطرب بين كوبا والولايات المتحدة من المؤكد أنه أخطأ في اختيار الزمان والمكان، وكان لزاماً على الرئيس الكوبي أن يعلمه درساً في البروتوكول.
درس في كيفية استخدام لغة الجسد، وفي حالة الرئيس أوباما ما فشلت في تثبيته السياسة الأميركية، خلال أربعة وخمسين عاماً من الحصار والقطيعة، لن يستطيع رئيس أميركي الإيحاء بها من خلال محاولة الفاشلة للتربيت على كتف الرئيس الكوبي، والنتيجة كما شاهدها مئات الملايين إحراج الرئيس أوباما حين رفع الرئيس كاسترو يده عالياً.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)