ينظر إلى تردي العلاقات السعودية — الإيرانية كسبب رئيس بين أسباب تدهور العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وتعميق الصراعات الدموية في اليمن وسورية والعراق، واشتداد الأزمة السياسية في لبنان وإطالة عمرها، وتوسيع الهوة بين الفرقاء اللبنانيين إلى درجة باتت تهدد بانفجار الأوضاع الهشة في البلاد.
الكثير من الملفات الخلافية بين الرياض وطهران تراكمت على امتداد الأعوام الأربعة الماضية، إلى أن وصلت في مطلع كانون الثاني/يناير الماضي إلى قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران، على خلفية الاعتداء الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، واعتبرت الخطوة السعودية، والاعتداءات التي سبقتها على السفارة والقنصلية من قبل متشددين إيرانيين، مرحلة متقدمة من التوتر في العلاقات بين البلدين، من شأنها أن تؤدي إلى تردي الأوضاع في العديد من الملفات الإقليمية الساخنة.
التقديرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية كانت تتخوف من أن ثمة جهات متطرفة في إيران التقطت تدهور العلاقات السعودية للبناء عليها سلباً، في العلاقة مع الرياض وإزاء الموقف من الصراعات المحتدمة. وبالمقابل هناك أيضاً جهات سعودية وخليجية لا ترى إمكانية في التعويل على علاقات تعاون بناء مع طهران، رغم إقرار الفريق الأول بأهمية ومحورية الدور السعودي، وإقرار الفريق الثاني بأن إيران قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.
لكن يبدو أن الصورة قد تغيرت، أو على الأقل آخذة بالتغير، ويمكن أن يلمس ذلك من الانفراجة الكبيرة في معالجة الملف اليمني، بناء على ما أعلنه المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حول هدنة مفتوحة بدءاً من منتصف ليل العاشر من نيسان/أبريل المقبل، والعودة إلى طاولة المباحثات بين الحكومة والحوثيين وأنصار الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، في الكويت في الثامن عشر من الشهر نفسه، وإشاعة أجواء من التفاؤل بأن الجولة القادمة ستحقق اختراقاً سريعاً، لاستناد المباحثات فيها إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، والمبادرة "الخليجية".
المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، ستيفان دي مستورا، أشاع أيضاً بدوره أجواء من التفاؤل الحذر في معالجة الملف السوري، بكشفه عن وثيقة "مبادئ مشتركة" تتكون من 12 نقطة، مستمدة من الأفكار والاقتراحات التي طرحتها الأطراف المشاركة في الجولة الأولى من جنيف — 3، التي اختتمت في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس الجاري، ومن المقرر أن تنطلق الجولة الثانية ما بين 9- 11 نيسان/أبريل القادم. فرغم أن المبادئ التي نصت عليها الوثيقة لا تعدو كونها عامة، إلى أنها تؤكد على توافق السلطة والمعارضة على مبادئ رئيسية من المهم تثبيتها، ومنها تنفيذ القرار الدولي 2254 كأساس للانتقال السياسي، واحترام سيادة سورية واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها، ومبدأي المساواة في السيادة وعدم التدخل طبقا لميثاق الأمم المتحدة، وأن الشعب السوري هو وحده من يقرر مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية، ويمتلك الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون ضغط أو تدخل خارجي"، ووضع جدول زمني يشمل وضع دستور جديد… واتفاق الأطراف على رفض الإرهاب… الخ.
قراءة موضوعية لهذين التطورين المهمين، وإن كانت أهميتهما متفاوتة، تشير إلى أن عزلهما لا يمكن عن ترمومتر العلاقات السعودية — الإيرانية خلف الكواليس، ورغبة قيادتي البلدين في التخفيف من التعارض بين سياساتهما الإقليمية… رغبة بدأت تظهر للعلن إذا ما صدقت التسريبات التي نشرتها صحيفة "الحياة" اللندنية، الممولة من المملكة السعودية، نقلاً عن مصدر إيراني رفيع، على حد وصف الصحيفة، وكشف فيها عن أن "الرئيس الإيراني حسن روحاني أوعز إلى وزير خارجيته محمد جواد ظريف بترتيب الأوضاع لفتح حوار جاد وبناء مع السعودية، من أجل إعادة العلاقات الإيرانية- السعودية، ومعالجة المشكلات التي تعترضها…".
وليس من الصعب اكتشاف صحة هذا التسريب من عدمه، فإذا كان صحيحاً سنلمس نتائجه العملية مبدئياً في المدى القريب في الملفات اليمنية والسورية والعراقية واليمنية، وعلى مستوى العلاقات الثنائية الإيرانية الخليجية، غير أن العملية تحتاج إلى حكمة، وانفتاح على الآخر، على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام مصالح وإرادة الشعوب، واعتماد منهج الحوار في حل القضايا الخلافية، ورفض منطق دعم الاحتكام إلى الحلول العسكرية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)