وترتب على الحدود، التي فصلت بين البلدين خلال سنوات الاحتلال البريطاني، تقسيم قبائل "البشاريين" و"العبابدة" المنتشرة في المنطقة، مما دفع الإدارة المصرية آنذاك إلى محاولة توحيد هذه القبائل من خلال قرارات صادرة من وزارة الداخلية المصرية أعوام 1899و1902و1907، والتي أسفرت عن وضع مثلث "حلايب وشلاتين وأبو رماد" تحت إدارة السودان، بينما ترى السودان أن لها سيادة على هذه المنطقة.
الخلاف القديم يتجدد:
الخلاف الذي يتجدد من وقت لآخر خاصة من جانب السودان، يعود ليتصدر مشهد العلاقات التي تواجه صعوبات، رغم محاولات القاهرة تجاوز الخلافات مع الخرطوم في ضوء تعثر المفاوضات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي، ويكاد يتحول الخلاف بين البلدين إلى نزاع حدودي في ضوء التصريحات الصادرة من الطرفين خصوصا الخارجية السودانية التي قالت "لن نتخلى عن سيادتنا على مثلث حلايب".
وكانت الخارجية السودانية دعت مصر للتفاوض المباشر على غرار تلك المفاوضات التي جرت مع السعودية حول جزيرتي تيران وصنافير، مشيرةً إلى احتمالات اللجوء إلى التحكيم الدولي.
وأعلنت الخارجية المصرية أنه "تعقيباً على البيان الصادر عن الخارجية السودانية بشأن مثلث حلايب وشلاتين، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية على أن حلايب وشلاتين أراض مصرية وتخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية".
وزير الخارجية السوداني، إبراهيم الغندور، صرح أمام برلمان بلاده، قائلاً "لن نتخلى عن حقوق سيادتنا على مثلث حلايب. اتخذنا الإجراءات القانونية والسياسية بما يحفظ حقوقنا"، فيما أعلنت الحكومة السودانية رسمياً أنها ستواصل المطالبة بسيادتها على منطقة حلايب وشلاتين الحدودية مع مصر.
أوضح المدير السابق لإدارة القانون الدولي والمعاهدات بالخارجية المصرية، السفير إبراهيم يسري، في حديث لـ "سبوتنيك"، اليوم الاربعاء، أن السودان يستند إلى قرار إداري من وزير الداخلية المصري عام 1902، والذي يسمح للقبائل السودانية بالتنقل من وإلى المنطقة الواقعة شمال خط عرض 22 (حلايب وشلاتين) والتي تقع داخل الحدود المصرية، موضحاً أن صدور القرار من وزير الداخلية في حدود اختصاصه بمنح تأشيرات الدخول والإقامة للمواطنين الأجانب لا يعني ترسيم للحدود.
ولفت المدير السابق لإدارة القانون الدولي والعلاقات الدولية، إلى أنه كان قد تقدم بمذكرة تفصيلية حول حق مصر في "حلايب وشلاتين" ومدعومة بالوثائق، وأن وزير الخارجية آنذاك طالبه باستدعاء السفير السوداني وتسليمه هذه المذكرة والتأكيد على الحدود المصرية المثبتة بالوثائق عن خط عرض 22.
استخدام سياسي:
وأوضح المدير السابق لإدارة القانون الدولي والمعاهدات بالخارجية المصرية، أن إثارة هذه القضية من وقت لآخر، هو استخدام سياسي للقضية من جانب السودان، داعياً إلى ضرورة حسم هذا الملف، خاصة وأن مصر لا ترغب في التصعيد وتوتير العلاقات مع السودان.
وأكد يسري أن التقسيم بين مصر والسودان معروف وهو يقع بين خط عرض 22، مضيفاً أن تهديد السودان باللجوء إلى التحكيم الدولي لن يحقق لها أي شيء، مضيفاً أن التصريحات المتواصلة للمسئولين السودانيين، تهدف إلى الضغط على مصر والهروب من المشاكل الداخلية في البلاد وحشد الشعب السوداني في اتجاه قضية واحدة.
وبدوره أوضح الكاتب والمفكر المصري، الخبير في الشؤون السودانية، الدكتور هاني ميلاد حنا، في حديث لـ "سبوتنيك" أن "حدود مصر الجنوبية مثبتة بالوثائق ومفروغ من دراستها ومحددة بعد بناء السد العالي، وتم الاستقرار على خط عرض 22 من دون أي منحنيات أو أي خرائط أجنبية، وهناك أبحاث تاريخية تثبت التواجد المصري في حلايب وشلاتين وامتداد وادي النيل وحضارة "قوش"، وهذا مستقر عليه تاريخيا ولا خلاف حوله، موضحاً أن الحكومة السودانية الحالية تثير المشاكل والصراعات والاستفادة منها داخلياً".
واعتبر أن مصر تحاول الابتعاد عن إثارة التوتر مع السودان، خصوصاً أن ملف الحدود مع السودان بالنسبة للقاهرة مفروغ منه ولا يثير القلق، مشيراً إلى أن الشعبين المصري والسوداني غير مستفيدين من توتير العلاقات الثنائية، مؤكداً أن الشعوب لا تتأثر بالخلافات السياسية.
وفيما يتعلق بتأثير الخلافات على مفاوضات سد النهضة، أوضح أن السودان المستفيد الأكبر من مشروع سد النهضة وليست مصر، مشيراً إلى أن تنظيم المياه في النيل الأزرق يصب في صالح السودان، أكثر من أي بلد آخر.
ولفت إلى أن مصر لا تستخدم الخلافات الخارجية في حل مشاكلها الداخلية، بينما الحكومة السودانية تسعى للاستفادة من التصريحات التي من شأنها تأزيم الموقف والعلاقات مع مصر.
تقرير ـ أشرف كمال