دمشق — سبوتنيك
في الذكرى الثامنة والستين لنكبة الشعب الفلسطيني، والتي تصادف الخامس عشر من أيار، ووسط الظروف القاسية في سورية، يكتفي اللاجئون الفلسطينيون بإحياء الذكرى على مواقع التواصل الاجتماعي وبندوات محصورة ومحدودة وسط حضور خجول بسبب تباعد الفلسطينيين وتركهم مخيماتهم، إلا ما قل منها.
ففي العاصمة دمشق جرت العادة أن تخرج مظاهرات تملأ شوارع المدينة، كانت تندد باحتلال فلسطين وتشريد أهلها، ولكن ومنذ بداية الأزمة السورية لم يكن لإحياء الذكرى إلا في السنة الأولى من الأزمة، وكانت الأخيرة والأكثر تميزاً ورسوخاً في أذهان الفلسطينيين بل العالم كله، وخاصة لدى السلطات الإسرائيلية..
ذكريات آخر إحياء للذكرى في سورية..
خالد 33 عام، لاجئ فلسطيني يقطن في دمشق بعد أن نزح من مخيم اليرموك حتى الآن، يستذكر ل"سبوتنيك" ما جرى معه في ذكرى النكبة منذ خمسة أعوام مرت، حيث وصلت الحافلات التي أقلته وقرابة أثني عشر ألف فلسطيني آخر من دمشق وباقي المحافظات إلى المناطق المحررة من الجولان السوري، حيث تابعوا سيراً على الأقدام حوالي 3 كيلو مترات حتى وصلوا إلى نقطة البداية في أحداث لم يحسب لها أحد أي حساب.
يقول خالد "لا ادري ما الذي دفعني لأنزل في الوادي المسمى بوادي الصرخات أو الوادي المحرم"، كانت المرة الأولى له التي يرى فيها جنود إسرائيليين بالعين المجردة، ما أخذ منه كل ما في عقله من تفكير وإدراك واندفع راكضاً في الوادي مع عدد كبير من الأشخاص.
ذلك اليوم هو المرة الأولى أيضاً التي يرى فيها حدود فلسطين، فلم يستوعب عقله أن يبقى على بعد وادي منها، والحلم يرافقه منذ نعومة أظفاره كما يقول.
دخلوا في المجال المحرم من الرحلة..
لم يكن الفلسطينيون في ذلك الحين عام 2011 يغفلون خطورة الخطوة اللاحقة، حين وصلوا إلى تلة الصرخات حيث يتم هناك تبادل الصرخات بين الطرف المحتل في مجدل شمس السورية والطرف المحرر منها، حيث يتبادل السوريون هناك التحيات كما جرت العادة عبر سنوات الاحتلال الاسرائيلي لهضبة الجولان.
تم التنسيق بشكل كبير عبر مواقع تواصل الناشطين الفلسطينيين للقاء على الحدود في ذكرى النكبة لتكون مراسم إحياء المناسبة المأساوية لدى الفلسطيني مختلفة عما جرت العادة سابقاً من مظاهرات واعتصامات ضمن المخيمات.
يروي الشاب الفلسطيني ل "سبوتنيك" ذكرياته منذ أول خطوة له في الوادي، "مشينا في الوادي ولم نقل لأحد أن يتبعنا فالجميع لديه ذات الاندفاع، كان الأهالي في مجدل يصرخون من بعيد ونحن نهتف لفلسطين فلم ندرك ماذا كانوا يقولون إلا لدى وصولنا السياج الحدودي".
كان الأهالي حسب الرواية والفيديوهات التي انتشرت لاحقاً للحدث يحاولون تحذير القادمين من أنهم يعبرون حقل ألغام، ولكن مرت بسلام حيث كانت الألغام للآليات الثقيلة وليست للأفراد كما تبين لاحقاً.
هجم الشبان الفلسطينيين إلى السياج المعدني وبدأوا ينتزعونه بأيدهم، فهم يردون الوصول إلى حقهم المغتصب كما يؤكد خالد.
وسرعان ما بدأت الدوريات الإسرائيلية تطلق النار على المتظاهرين آنذاك فسقط قتلى وجرحى، واحتدمت المعركة.
كان السلاح الوحيد لأشخاص عزل عبروا الحدود هوالحجارة المتواجدة في الأرض لمواجهة سلاح العدو.
جولة في الذاكرة على مجدل شمس..
خالد عبَرَ بعد أن تخطى أصعب المراحل في رحلته تلك، كان معه حوالي المئات من الشباب والفتيات ومعهم أيضاً كبار السن، ويذكر أشهرهم "الحاج خميس الزنغري" ذو الثمانين عاماً.
حيث عبر هو الآخر بكل جلد، رغم كبر سنه وشيخوخته الواضحة كما وصفها الشاب الفلسطيني، وكان مصطحباً معه مفتاح بيته وعدد من الأوراق القديمة التي تثبت ملكيته لبيت وأراضي في قرية الزنغرية قبل خروجهم منها.
وبدأ الشبان الفلسطينيون العابرون من الجهة السورية يجولون في أنحاء بلدة مجدل شمس مرددين الهتافات المطالبة بتحرير فلسطين وبحق العودة إليها, إلى أن اجتمعوا في ساحة القرية حول تمثال سلطان باشا الأطرش.
أتت الفكرة..
يتابع خالد الفلسطيني سرد ذكرياته عن النكبة، فبعد ساعات من العراك والمواجهات والملاحقات بين الفلسطينيين العزل والجنود الإسرائيليين الذين سارعوا باستجرار تعزيزات عسكرية كبيرة، استذكر الشاب أنهم قد يقعون في الأسر لدى إسرائيل، وهنا بدأوا ينظمون لوائح بأسمائهم كي يعرف الجميع من دخل إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ففي حال اعتقل سيعرف الجميع بغيابه.
يذكر تماماً الاسم والصوت الذي دعا إلى هذه الفكرة، إنه "عزت مسودة" الذي عبر إلى القدس واعتقل هناك بعد أن تسلل منها، وهو مبعد عنها بالأصل حيث وصل إلى حيث يسكن والده.
عزت مع ثلاثة آخرين عبروا إلى مدن مختلف هي حيفا وصلها شاب يدعى حسن حجازي وطبريا وصلها رشا فياض ومجد داوود، بينما بقي الآخرون في البلدة ظنا منهم أنه لم يعبر أحد، حيث بدأ الشيوخ السوريين في البلدة يستجدون الشباب ألا يعبروا خوفاً عليهم من بطش الجنود كما يؤكد الشاب الفلسطيني.
ست ساعات استمرت الرحلة، إلى أن عادوا أدراجهم بعد مفاوضات بين سكان المجدل والقيادة الإسرائيلية في الجولان، خلصت نتائجها إلى إطلاق سراح من تم احتجازه مقابل عودة الجميع إلى المكان الذي وصلوا منه.
خيبة أمل كبيرة…
حتى هذه اللحظة يندم خالد على خروجه من الأراضي التي وصلها، يقول كررنا خطأ أجدادنا بترك حقنا والاكتفاء بالمطالبة به، وتمنى أن يعود ثانية إلى فلسطين عبر الجولان.
فقد أكد خالد أن المقولة الإسرائيلية الشهيرة بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون" لم تجد مكانها من الصحة، فعدد من الأجيال المتلاحقة حضرت ذاك المكان وبعد ستة عقود.
وهنا يجد الكثيرون من أقران خالد خيبة أمل، إذ لم يكملوا خطاهم تجاه الأرض التي هي لهم بالأساس، وما يزالون يطالبون بالعودة إلى فلسطين رغم تفرقهم وتشتتهم في بقاع الأرض منذ دخول مخيم اليرموك الصراع مع اتخاذ المسلحين المخيم معقلاً لهم لمحاربة الحكومة السورية.