مفاجأة من العيار الثقيل في انتخابات المجالس البلدية اللبنانية فجرها اكتساح قائمة "قرار طرابلس" المدعومة من وزير العدل اللبناني، اللواء أشرف ريفي، بانتزاعها 18 مقعداً من مجموع 24 مقعداً هي مجموع مقاعد المجلس البلدي في طرابلس، بينما لم تحصل قائمة "لطرابلس"، المدعومة من رئيس الوزراء الأسبق سعد الدين الحريري ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي والوزير والنائب محمد الصفدي، سوى على ستة مقاعد فقط.
وقرأ المحللون السياسيون في هذه النتيجة، غير المتوقعة، إزاحة سعد الدين الحريري و"تيار المستقبل" عن الزعامة في طرابلس، ومعهما ميقاتي وكرامي والصفدي، وتتويج اللواء أشرف ريفي كزعيم طرابلسي قوي، وكرقم مهم في المعادلة السياسية السنية اللبنانية، وفي الإطار الأوسع في المعادلة اللبنانية، تحت شعار "التأسيس للأيام المقبلة"، وهو ما صرح به ريفي بعد صدور النتائج الأولية للانتخابات البلدية في طرابلس.
وليس بعيداً عن المعركة في طرابلس جرت معارك أخرى، صبت نتائجها في الاتجاه ذاته، بتمرد نسب كبيرة من الناخبين على طوق التحالفات السياسية- الطائفية، سواء ثنائية، مثل تحالف "حزب الله- أمل" شيعياً وتحالف "التيار الوطني الحر- القوات اللبنانية"، أو متعددة الأطراف مثل التحالفات التي جرت في بيروت وطرابلس، في بعض المناطق الأخرى، لكنها بقيت ضمن القوالب التقليدية.
في بعلبك والهرمل خاضت قائمة "حزب الله- أمل"، وإلى جانبهما العديد من الأحزاب والقوى، مواجهة شرسة مع لائحة مدعومة من العائلات والتيار المدني، وفازت القائمة الأولى بـ54% من مجموع الأصوات، ولا يمكن إسقاط البعد السياسي لاتجاهات تصويت الناخبين، وينطبق الأمر أيضاً على العديد من المناطق التي كانت توصف بأنها معاقل لـ"حزب الله" أو "حركة أمل" أو أحد حلفائهم في "قوى 8 آذار".
وشهدت مدينة زحلة معركة انتخابية شرسة، تضاف إلى سجل المدينة الحافل بمثل هكذا معارك، بين قائمة تحالف حزبية مسيحية ثلاثية مكونة من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"حزب الكتائب"، ضد قائمة عائلات وفعاليات المدينة، أبرزها عائلة سكاف وعائلة فتوش، وفشلت كل محاولات تقديم قائمة موحدة تضم الأحزاب والعائلات. قائمة الأحزاب حصلت على نحو 10500 صوت، مقابل 8900 للائحة "زحلة الأمانة"، المدعومة من مريام سكاف، و7000 صوت لـ"زحلة تستحق"، برئاسة موسى فتوش، ما يعني أن نحو 15900 صوت كانت ضد الأحزاب المسيحية التقليدية.
العديد من الأمثلة الأخرى تؤكد تغير المزاج الشعبي اللبناني ضد الزعامات السياسية التقليدية، ففي بيروت حصل المستقلون الذين انضوا تحت لائحة "بيروت مدينتي" على أربعين بالمئة من أصوات المقترعين، مقابل حصول لائحة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري (لائحة البيارتة)، وكان من اللافت في تلك النتيجة، حسب وكالات الأنباء، أن أحد أبرز أحياء بيروت السنية أعطى لائحة المستقلين 30 بالمئة من أصواته، بينما صب 60 بالمئة من أصوات المسيحيين لصالح لائحة "بيروت مدينتي". ما اعتبر نكسة للأحزاب المسيحية ومؤشراً على تراجع كبير في شعبيتها أيضاً. مما رسم أن نسبة كبيرة من الشارع نأت بنفسها عن الاصطفافات الحزبية بمختلف ألوانها، وتراجع دور ومكانة الزعامات التقليدية.
معادلة مستجدة تملي على الطبقة السياسية اللبنانية إعادة حساباتها في المعارك الانتخابية القادمة، فالمزاج الشعبي يتجه نحو دعم تيار ثالث، يكسر الصفقات الحزبية وسطوة العائلات الكبيرة، ومن المتوقع أن تفرض ظاهرة المستقلين نفسها في انتخابات نيابية أو محلية مستقبلية، على وقع بروز تيارات مدنية تطمح للمنافسة، وباتت تمتلك أدوات وبنية منظمة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)