"الأبطال لا يصنعون في صالات التدريب، الأبطال يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم هي: الإرادة والحلم والرؤية"، بهذه الكلمات لخص الملاكم الأميركي محمد علي كلاي فلسفته في الحياة كبطل رياضي وإنسان، جعلته يقف إلى جانب القضايا العادلة، ضد التمييز العنصري والحروب الاستعمارية الإمبريالية، وضد الفقر والعنف والكراهية، وكان صاحب رؤية صاحب رؤية سياسية مبدئية منحازة للسلم ومستقبل أفضل للبشرية، وعبّر عن ذلك بالقول: "تخاض الحروب من دول لتغيير الخرائط، ولكن حروب الفقر تخاض لوضع خريطة التغيير".
اخذ كلاي على عاتقه أن تصب إنجازاته الرياضية في بوتقة نضال ثلاثين مليون أميركي من أصل أفريقي، من أجل انتزاع حريتهم وحقهم في المساواة، كانت قضية حياة بالنسبة له، ففي تصريح له يقول محمد علي: "مهمتي أن أحصل على الحرية لثلاثين مليون أسود، أنا الولايات المتحدة، أنا الجزء الذي لن يعترفوا به في هذه البلاد، وأنا أيضاً أسود، ويجب أن تعتادوا علي كذلك.. لقد أتوا بنا إلى هنا منذ 400 سنة للعمل، فلماذا لم نبن أمتنا الخاصة بنا ولا زلنا نتسول الوظائف؟ لن نكون أحرارا أبدا حتى نمتلك أرضنا. إن عددنا 40 مليون شخص، ولا زلنا لا نمتلك هكتارين من الأرض".
في العام 1967 رفض محمد علي كلاي التجنيد في جيش الولايات المتحدة الأميركية والذهاب للقتال في فيتنام، لأنه رأى فيها حرباً عدوانية ظالمة، ودفع ثمن موقفه المشرّف هذا سحب لقب بطولة العالم منه للملاكمة في الوزن الثقيل، وتم زجه في السجن وسحبت منه رخصة ممارسة رياضة الملاكمة، وحينها قال جملته الشهيرة: "أعدوا لي الزنزانة.. فخبز السجن أحب إلى نفسي من الموت في فيتنام"، وبقي يحارب ضد هذا القرار حتى استطاع أن يسقطه أمام المحكمة الأميركية العليا بعد أبع سنوات.
كلمات جُسدت في مواقف تعكس شخصية كلاي الأسطورة والإنسان، في الحلبات الملاكمة كما في ساحات السياسة بقي "يحلق كالفراشة ويلسع كالنحلة"، فلم يتردد في السخرية من الرئيس بوش الابن عندما حاول الأخير السخرية منه، ففي حفل تكريم لكلاي في البيت الأبيض همس بوش الابن في أذن كلاي، وحاول أن يلتقط معه صوره تظهره وكأنه ينازله في الملاكمة، فكان أن رد عليه كلاي بحركة بما معناه "هل أنت مجنون؟"، مما وضع بوش الابن في وضع حرج شاهدة الملايين في مقطع مصور.
ولم يمنعه مرضه الشديد من مواصلة دفاعه عن مبادئه وقيمه، فتصدى بقوة لتفوهات المرشح الرئاسي عن الحزب "الجمهوري" دونالد ترامب ضد المسلمين، ولمن يحالون تشويه الإسلام، وجاء في تصريح صادر عنه: "بوصفي شخصاً
لم يتهم أبداً بالمحاباة السياسية، اعتقد أنه ينبغي على زعمائنا السياسيين أن يستغلوا مواقعهم للحض على تفهم الدين الإسلامي، والتوضيح بأن هؤلاء القتلة المغرر بهم قد شوهوا حقيقة الإسلام عند الناس.. أنا مسلم، وليس من الإسلام بشيء قتل الأبرياء في باريس او سان برناردينو أو أي مكان آخر في العالم.. المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي الذي يمارسه من يطلق عليهم الجهاديين يتعارض مع مبادئ ديننا..".
ووصف كلاي سنواته الأخيرة مع المرض بالقول: "الآن الأمور التي لم تكن تتطلب جهدًا في السابق — قوة صوتي وسرعة حركتي — باتت أكثر صعوبة. ولكنني أستيقظ كل يوم وأحاول أن أعيش الحياة بكل جوانبها لأن كل يوم نعيشه هو هبة من الله"
هذا محمد علي كلاي البطل والإنسان، وسيبقى حياً في ضمير وتاريخ الإنسانية كصاحب مواقف إنسانية وأخلاق رفيعة، كرس حياته كلها من أجلها.. دفاعاً عن الحقوق المدنية ولإنهاء التمييز العنصري، وللعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر، والسلام والحرية والتعايش بين الشعوب.