دمشق- سبوتنيك
وأوضحت هندي لـ"سبوتنيك" أنه يُغرس في عقل الطفل بأنه ضحية بسبب الناس الآخرين، ويتم توجيه عواطفه لتصب نحو الحقد والكراهية على جهة معينة، ويتحول شعوره سلبياً وعدوانياً. وهذا يفسر شعور الطفل (بالاغتراب) وممارسة العنف تجاه الآخرين في مراحل لاحقة من حياته، بناء على تبريرات وقناعات يكرسها من تلقاء ذاته أو يتم إقناعه بها من طرف معين بأن العنف هو السبيل الوحيد للحصول على حقوقه من الطرف الآخر (الذي قد يكون شريكه في البيت أو العمل أو شريكه في الوطن)، وهذا ما يفسر استخدام تنظيم "داعش" الإرهابي للأطفال ليغرس الحقد والعدوانية ويجردهم من المشاعر الإنسانية.
ولفتت هندي إلى أهمية التركيز على التنشئة الاجتماعية وعلى دور الموروث الاجتماعي الذي يتم نقله وتلقينه للأفراد، علماً أن السلوكيات والأفكار المكتسبة في مرحلة الطفولة لا يمكن تغييرها في المراحل اللاحقة من حياة الأفراد، وإنما من الممكن تقليصها أو تعديلها بدرجة معينة فقط، لاسيما أن التنشئة الاجتماعية هي المفتاح الذي يفتح أبواب جميع الأفراد، فحياة الفرد التي عاشها والخبرة والتجارب التي تلقاها هي الأساس التي تظهر حقيقة السلوك الفردي بشتى نواحيه، وهنا يجب تنشئة الأطفال على أسس احترام الآخر والتسامح والاندماج وتفعيل التفكير العلمي والمنطقي ونبذ العنف وتهيئة ظروف عملية الاندماج المجتمعي.
وأضافت هندي أن جزءا كبيراً من الذين غُرر بهم خلال الأزمة السورية هم نتاج تنشئة أسرية منغلقة تقوم على المركزية والتقوقع وتقليص أسس التفكير العلمي ولا تحقق المهمة الأساسية لها والتي هي التكيف والاندماج المجتمعي، فإن هؤلاء الأفراد يكونون أكثر عرضة للانخراط في الأعمال الإرهابية لدى توافر أدنى عامل محفز للإرهاب، فهم لا يمتلكون هوية ذاتية واجتماعية ناضجة تمكنهم من تفعيل العقل في التعامل مع الآخر، وإنما يكونوا معرضين للتضليل من قبل جهات مستغلة أو أفراد (رجال دين، ساسيين، أصدقاء…إلخ) لعدم امتلاكهم الوعي الكافي لمعرفة الخلفية الكامنة وراء الخطاب الموجه لهم من قبل هذه الجهة أو هذا الشخص وتحليل خفاياه، كما أنه لا يمتلك المعرفة بتاريخ وبنوايا الجهة المضللة التي تحفزه لممارسة تلك الأعمال الإرهابية.
وتابعت هندي، إن الدليل على انعدام حالة الوعي لدى الإرهابيين هو ما تم تداوله خلال الأزمة السورية بأن مقاتلي "داعش" يتلقون جزاء مصرعهم في ساحات القتال (سبعين حورية في الجنة)…وهنا يجب مناقشة عقلانية المنطق الذي يفسر السلوك المؤدي للفكرة، فالإنسان بإمكانه دخول (الجنة) عبر ممارسة العديد من الأعمال والعقائد التي لا يضطر فيها لقتل الآخر والتي تكسبه رضا الله تعالى، لماذا لجأ لهذا القتل؟!…كما أنه لا يمكن إغفال العامل المادي "المال" الذي لعب دوراً هاماً في انسياق الأفراد "ذووا الشخصية المضطربة "الذين يعانون من مشاكل مادية لممارسة الأعمال الإرهابية سعياً للكسب دون أي اكتراث بمصيرهم أو بمصير الآخرين.
وأشارت هندي إلى أن الإرهابي لا يرى العالم كما يراه الآخرون، فالعالم من وجهة نظره مقسوم إلى كفار ومؤمنين ومهمته تكمن في قتل الكفار بهدف زيادة سلطة المؤمنين وغير ذلك، أما تفجير نفسه فمردها أيضاً إلى الأفكار المشبع بها والتي ترسم له عالماً زمردياً بعد الموت ثمنه دماء من يسعى لقتلهم إثر سلوكه الإرهابي. والجدير بالذكر أن الإرهابي قد يغادر التنظيم الذي يقاتل في صفوفه، لكنه لا يتخلى عن أفكاره بشكل نهائي، فهذا الأمر بحاجة للمتابعة والملاحقة الدورية من قبل الأخصائيين للحرص على عدم انغماسه في أعمال إرهابية لاحقاً نتيجة تعرضه لمؤثرات معينة ولرصد مستوى انسجامه المجتمعي.
وأكدت على أهمية دور الوعي وأسس ومبادئ التفكير العلمي في هذا المجال. فللأسف وجدنا فئة من المثقفين وحاملي الشهادات العلمية ضُللَت وتم التغرير بها للقيام بأعمال إرهابية خلال الأزمة السورية، الأمر الذي يعود إلى دور التنشئة الأسرية وضرورة تحقيق الغاية المرجوة منها في اندماج الفرد مع مجتمعه وتقبله للآخر بعيداً عن العنف.
ودعت هندي إلى البدء بخطة إسعافية لاحتواء الفئات التي تعد هدفاً سهلاً لدى الجهات المستغلة المحرضة على الإرهاب، عبر رسم تنفيذ الخطط من خلال التعاون بين مؤسسات القطاع العام وجمعيات العمل الأهلي، بهدف رفع مستوى الوعي بأهمية التفاعل والانسجام المجتمعي وتنمية شعور المواطنة لدى الأفراد وابتكار أفكار كفيلة بتقليص خطر انسياق أفراد المجتمع لمثل هذه الأعمال الإجرامية.