تشير خارطة المسلسلات الدرامية المصرية في (الموسم الرمضاني) لهذا العام إلى تراجع عددها إلى 30 عملاً فقط، مقابل 40 مسلسلاً في العام الماضي، بينما زاد عدد الأعمال الدرامية السورية المنتجة إلى 30 عملاً، علماً بأنه تم أنتاج 23 مسلسلاً فقط في العام المنصرم. وإلى جانب الأعمال المصرية والسورية تنافس الأعمال الخليجية احتلال مكان لها على الشاشات الأوسع انتشاراً والأكبر تمويلاً، وتحضر الدراما الخليجية بأكثر من 17 عملاً، غالبيتها يتسم بتناول المشاكل الخاصة التي تعاني منها المجتمعات الخليجية، والتحولات التي طرأت على البنية الاجتماعية والاقتصادية، والقيم المجتمعية في عصر العولمة وغزو وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما لدى الفئات الشابة، ودخلت قائمة المنافسة الفعلية في عروض رمضان ثلاث مسلسلات لبنانية فقط، وباقي ما أنتج من أعمال درامية لبنانية سينافس خارج الموسم الرمضاني.
الملاحظ عموماً أن المسلسلات الخليجية واللبنانية لم تستطع هذا العام أيضاً كسر ثنائية المنافسة بين المسلسلات المصرية والسورية، وفي مسعى منها لدخول المنافسة على نطاق محدود في سوق الدراما اتجهت الدراما اللبنانية نحو الأعمال المشتركة، في حين اكتفت الأعمال الخليجية بالمساحة المضمونة لها على الشاشات الخليجية الأعلى سعراً في سوق شراء المنتج الدرامي.
تراجع عدد المسلسلات المصرية لهذا العام يفسر بالظروف التي تمر بها السوق في مصر خلال الفترة الأخيرة، إلا أنه لا يمكن تجاهل سوء تعامل القنوات الفضائية، وصعوبة التسويق بالقياس إلى المواسم الماضية، وهو ما دفع معظم الجهات الإنتاجية للاعتماد على ممثلين كبار، أو من يصطلح عادة على تسميتهم بـ(نجوم الشباك)، مخضرمين أو شباب، مثل عادل إمام ومحمود عبد العزيز ويحيى الفخراني ومحمد رمضان وغادة عبد الرزاق ويسرا ونيلي كريم.. الخ، رغم أن الاعتماد عليهم مشكلة بحد ذاتها لارتفاع أجورهم.
وغابت الدراما التاريخية عن الإنتاج المصري لهذا العام، واحتلت الدراما الاجتماعية هامشاً ضيقاً، واتجهت معظم الأعمال نحو الانفصال عن الواقع المعاش لعامة الناس، وتقديم خلطة من الإثارة والتشويق والجريمة، وسرد قصص ممجوجة عن حياة الطبقات الثرية. وبدا كأن الممثلين الكبار يكدون من أجل عدم الخسارة في المنافسة مع ممثلين شباب، أثبتوا حضورهم بقوة في المواسم الماضية، وكان ضاغطاً على غالبية الجميع الخشية من أن يسقط هذا المسلسل أو ذاك في الأيام الأولى من السباق الرمضاني.
في المقلب الآخر لا يمثل ارتفاع عدد المسلسلات السورية مؤشراً على ازدهاراً في سوق الدراما السورية، فعلى العكس من السبب الذي قدّم لتفسير تراجع عدد الأعمال المصرية، استفاد المنتجون من تراجع تكاليف الإنتاج نسبياً، لكن الاستفادة من ذلك كانت على صعيد الكم وليس النوع في الأعمال المنتجة، فأعمال البيئة الشامية تراجعت إلى خمس مسلسلات من أصل ثلاثين عملاً، إلا أن القصة والسيناريو والحوار والمعالجات الفنية جاءت مكررة، إلى درجة قد يصعب معها إيجاد فوارق مفصلية بين المواضيع والقضايا المثارة، وبالفعل بدأ بعضها يترنح جماهيرياً بعد عرض حلقاته الأول، ومنها مسلسل "باب الحارة" في جزئه السابع.
الخسارة الأكبر لرصيد الدراما السورية، وبالطبع خسارة للمشاهد العربي، غياب الأعمال التاريخية الكبيرة، نظراً للتكاليف الإنتاجية الكبيرة، والظروف التي تمر بها سورية، والاستقطاب السياسي الحاد بين قطاع من العاملين في الوسط الفني، ومصاعب التسويق التي تعاني منها سوق الدراما العربية، والتي لا تنفصل عن المواقف السياسية إزاء الأزمات التي تمر بها بعض البلدان العربية.
واقع مختلف تحاط به الدراما الخليجية، التي مازالت قادرة على ضمان حصتها في سوق الدراما والمواسم الرمضانية، دون أن تكون معنية بالمنافسة من حيث المواضيع والنوعية والجودة، فهي تعالج فقط قضايا خليجية مجتمعية بعيدة عن هموم واهتمامات أبناء المجتمعات العربية الأخرى، وتمتعها بحماية في السوق لا يشكِّل حافزاً للعمل على تطويرها من الجوانب الفنية المختلفة.
بالنتيجة؛ مجموع العوامل السابقة، بالإضافة إلى الظروف التي تمر بها البلدان العربية، أدت إلى تراجع عدد المتابعين للموسم الرمضاني وعزوف هواة المسلسلات الدرامية عن متابعتها هذا العام، ومنذ الأسبوع الأول ثمة أعمال خيبت الآمال، وأعمال بدأت تلهث، وأعمال قليلة ستحافظ على جاذبيتها حتى نهاية رمضان. أما عن البرامج الترفيهية فحدث ولا حرج، فما يعرض منها يثير سخط المشاهدين أكثر من إضحاكهم وتسليتهم، وأصبحت المقالب الممجوجة بمثابة شهادة موت لهذا النوع من التسلية.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)