صحيح أن الأمين العام هو الرئيس الإداري وأن الدور الفعّال للمنظمة مرهون بالإرادة السياسية للدول الأعضاء، ومع ذلك فإن تقارير الأمانة العامة حول القضايا الملحة جاءت خالية من الحقائق، مزعناً للضغوط الممارسة من بعض الدول، في انتهاك صارخ للمبادئ التي قامت عليها المنظمة الدولية ومحاولة للهروب من المسؤولية عما يرتكب من جرائم اذا تجاهلتها التقارير الرسمية فلن تتجاهلها ذاكرة الشعوب والأمم.
والامين العام الذي تنتهي ولايته في ٣١ ديسمبر/ كانون الأول؛ لم يكن قوياً بالدرجة الكافية عندما وافق على رفع اسم التحالف العربي في الحرب على اليمن، والذي تقوده السعودية، من تقرير يدينه في استهداف الأطفال.
كذلك جاء تقريره الثاني حول الإرهاب؛ خالياً من أسباب العجز الدولي أمام خطر تنظيم "داعش"؛ ولم يتحدث عن ازدواجية المعايير في مواجهة الإرهاب، وتجاهل الكشف عما تقوم به دول ثبت تورطها في دعم التنظيم، وما قامت به واشنطن منذ ابريل/نيسان الماضي بتقديم السلاح والذخيرة للجماعات الارهابية في سوريا؛ والملايين المقدمة من بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام ٢٠١٣ للدعاية والترويج لمعلومات مغلوطة تتعلق بالوضع في سوريا؛ ولم تتخذ أي اجراء جاد تجاه "تركيا اردوغان" التي تسمح للعناصر الإرهابية بالتسلل الى سوريا وتواصل دعم تنظيم "داعش" لنشر الفوضى والتطرف.
ورغم تراجع سيطرة التنظيم الإرهابي على عدد من المناطق في سوريا والعراق؛ فإن خطر التهديد الإرهابي بتصاعد؛ ولم تتأثر القيادة الداخلية للتنظيم التي تسعى إلى رفع مستوى الدور الذي تلعبه الجماعات التابعة له لتنفيذ عمليات على الصعيد الدولي والانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بزيادة مخاطر الهجمات الموجهة ضد أهداف في مناطق مختلفة من العالم خاصة اوروبا.
وتزايد وتيرة العودة وتصاعد حدة العمليات الارهابية والتهديدات التي تعيش على واقعها الدول الأوروبية بعد هجمات باريس وبروكسل؛ دليل على قدرةَ التنظيم على تنفيذ العمليات بالتعاون مع العناصر التي تتبنى الفكر المتطرف ومستعدة بحسب رؤيتهم للجهاد وتنفيذ التوجيهات الصادرة من قيادات التنظيم في إطار استراتيجية جديدة عابرة للحدود؛ تستهدف الامن والاستقرار من خلال شبكات من العناصر المحلية المنتشرة حول العالم، وبالتعاون مع العائدين من سوريا.
لا تزال مصادر التمويل واستقطاب العناصر الأجنبية وتجنيد النساء واستغلال الأطفال في القتال يثير القلق؛ خصوصاً أن المقاتلين الإرهابيين الأجانب يستخدمون وثائق مزورة ويحاولون أيضا إخفاء عزمهم على السفر إلى سوريا والعراق بطرق غير مباشرة؛ وبينما اعتبرت ليبيا المركز المالي لنقل الأموال، تظل شبكات التهريب والاختطاف والاتجار بالبشر واستهداف نساء الأقليات العرقية مصدر من مصادر تمويل الإرهاب.
لا توجد رؤية موحدة داخل الأمم المتحدة حول الاٍرهاب الدولي الذي يهدد السلم والأمن الدوليين؛ وهناك انقسام واضح حول تصنيف الجماعات الارهابية؛ واصرار على تغيير أنظمة الحكم بالقوة؛ واستمرار للتدخلات الخارجية وغض الطرف عن الدول الداعمة للتطرف والعنف.
إن أمن واستقرار العالم مرهون بالتزام الخمس الكبار بالتفسير الصحيح لميثاق الامم المتحدة؛ وأن انتهاك ما جاء في الميثاق من مبادئ لن يزيد النار إلا اشتعالا؛ وتُهدر الحقوق وتُنتهك الحريات تحت مظلة المنظمة الدولية التي أصبحت في حاجة إلى إصلاح وحماية التقارير والحقائق من الابتزاز وتبني آليات جديدة قادرة على تنفيذ القرارات المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)