الاتحاد الأوروبي يضم 28 دولة، بينما "منطقة اليورو" تضم 19 فقط من دول الاتحاد، وهي تلك الدول التي استبدلت العملة المحلية بـ "اليورو"، بينما تظل المملكة المتحدة خارج نطاق العملة الموحدة واحتفظت بالجنيه الاسترليني. ومع التجربة وجدت بريطانيا نفسها أمام ضرورة إعادة النظر في الاستمرار في الاتحاد لأسباب مختلفة أبرزها الهجرة والأمن وساعات العمل.
البداية كانت بوعد انتخابي من زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون عام 2013، بتنظيم استفتاء حول البقاء في الاتحاد، في حال إعادة انتخابه رئيسا للوزراء، وهو ما تحقق وحدد يوم 23 يونيو/حزيران 2016، يوما فارقا في تاريخ بريطانيا للاستفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج من عضوية الاتحاد.
ضغوط الإدارة الأمريكية على كافة الأطراف، دفعت للتوصل إلى اتفاق بين الحكومة البريطانية والمفوضية الأوروبية يمكنه المساهمة في إقناع البريطانيين للتصويت لصالح البقاء في الاتحاد.
في الحقيقة الحكومة البريطانية تريد استعادة بعض ما فقدته من سلطات لصالح الاتحاد الذي بات، بالنسبة لرئيس الوزراء وشريحة كبيرة من المواطنين، العبء الثقيل الذي يجب التخلص منه، ما دفع المفوضية الأوروبية في اتجاه المفاوضات التي منحت بريطانيا وضعاً خاصاً لمساعدة حملة البقاء والتي يقودها رئيس الحكومة البريطانية.
خروج الحليف الأكبر للولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي يثير قلق واشنطن، خوفا من انفراط عقد الاتحاد، وبالتالي يتأثر حلف شمال الأطلسي وما لذلك من تداعيات سلبية على استراتيجية واشنطن على الساحة الدولية، وتنهار أو على أقل تقدير تضعف التحالفات التي تعتمد عليها السياسة الأمريكية.
وهذه العلاقات الوثيقة بين البلدين دفعت الرئيس الأمريكي خلال زيارته إلى لندن بدعوة البريطانيين لرفض الخروج، قائلا "في حال كانت البلدان القريبة منكم والتي تهتم بكم والبلدان التي تتعاونون معها وتقيمون معها علاقات خاصة، في حال كانت ترى أنه من الأفضل لكم البقاء في هذه العلاقات مع أوروبا، فلا بد من إيلاء الاهتمام لذلك"، في سابقة هي الأولى من نوعها والتي اعتبرتها المعارضة تدخلا سافرا في الشأن الداخلي للبلاد.
الولايات المتحدة تسعى إلى عقد شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، لتعزيز نفوذها في المنطقة، وخروج بريطانيا يمكن أن يؤثر على هذه المساع خاصة وأن البعد الاقتصادي أحد أبرز الأسباب التي تجعل البريطانيين يفكرون في الانفصال عن الاتحاد، كذلك تفقد واشنطن أي تأثير لها على السياسات المختلفة للاتحاد في ظل تراكم الأحداث المثيرة للقلق والتي يمكن أن تؤثر على مستقبل الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم.
وفي ظل القلق الأمريكي تعيش القارة الأوروبية حالة من الترقب الحذر، بينما انقسم المجتمع البريطاني، حيث تشير نتائج استطلاع الرأي إلى تفوق حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بفارق سبع نقاط عن حملة البقاء، وأشار الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "يو جوف" لصالح صحيفة "ذي تايمز" البريطانية، أن حملة الخروج تتقدم بنسبة 46% مقابل 39% لصالح حملة البقاء. بينما استطلاع مؤسسة "أو آر بي" لصالح صحيفة "الديلي تليغراف" كشف عن أن 49% من البريطانيين يرغبون في خروج بلادهم من الاتحاد مقابل 48% للبقاء.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة الكارثة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، التي تبذل جهودا كبيرة لمنع تحقيق هذا السيناريو المخيف أو على أقل تقدير التخفيف من تداعياته، كما أن البقاء في كتلة موحدة مع أوروبا يعزز من استراتيجية الولايات المتحدة في القارة العجوز. وفي الحالتين فإنه يمكن القول إن الاستفتاء يفتح الباب أمام الأوروبيين لإعادة النظر في سياساتهم من منظور مصالحهم لا مصالح الجانب الآخر من الأطلسي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)