تصريحات المسؤولين الأتراك جاءت عقب الإعلان عن نتائج استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي إطار استمرار ممارسة الصيد في الماء العكر وسياسة خلط الأوراق؛ التي يلجأ إليها؛ بل ويعتمد عليها الرئيس التركي في الظهور بمظهر حامي حمى الاسلام والمسلمين، وان مشاكل أوروبا يمكن ان تنتهي بانضمام العثمانيين إلى الاتحاد.
يعتقد العثماني الجديد أنه المتحدث باسم العالم الإسلامي، في ظل تنامي رغبته في عودة عصر الخلافة وتتويجه سلطانا للمسلمين.
هذا الشعور يحمله فكر وعقيدة أردوغان التي دفعته منذ الصغر إلى الانتماء إلى تيار الإسلام السياسي المدعوم من الغرب، ودفعه للانقلاب على اساتذته وتأسيس حزب "العدالة والتنمية"، وانطلاقا من هذا الشعور شارك في مراسم تشييع بطل العالم في الملاكمة، محمد علي، وافتعل أزمة غير مبررة، من أجل لفت أنظار العالم الإسلامي إلى انه الرئيس المسلم الوحيد الذي شارك في تشييع أسطورة الملاكمة، كذلك يحرص في حديثه إلى تناول المعاناة التي يتعرض لها المسلمين في مناطق مختلفة من العالم.
والحقيقة أن تيار "الإسلام السياسي" الذي ينتمي إليه العثمانيين الجدد، يجيد العزف على وتر الدين، ثم بعد ذلك ستجدهم أول من يتخلى عن تلك المبادئ وينتهكون أحكام الشرعية. وانصاره بارعون في استخدام قواعد الديمقراطية والظهور بمظهر المرونة والاعتدال للوصول إلى الحكم، ثم يتم تبديلها تدريجيا حتى تكشف عن الوجه الآخر المعادي للحريات والتعددية، وليس هناك ما يمنع من خلق أجواء من التطرف والإرهاب، حفاظا على السلطة.
والتصريح بأن الخوف من الإسلام يعيق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فيه الكثير من التضليل، والحقيقة التي يعكسها المشهد الراهن تبدو كما يلي:
ـ تقدمت تركيا بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ ما يقرب من 3 عقود أي قبل تنامي ظهور تيار "الإسلام السياسي" التركي الذي لم يكن له أي تأثير على صناعة القرار آنذاك، بمعنى أن فكرة الانضمام ولدت قبل ظهور أردوغان على الساحة السياسية من الأساس، وان هناك من الأوروبيين من يدعم وآخر يرفض الفكرة، وبالتالي فلا مجال لإقحام الدين في خلاف سياسي بين الأتراك والأوربيين.
ـ هناك الملايين من المسلمين الذين ينتمون إلى أوروبا ويتمتعون بكافة الحقوق، بينما أبرز الملفات الخلافية والتي يجري الحديث عنها من جانب الأوروبيين تلك المتعلقة بالحقوق والحريات في تركيا، خاصة بالتزامن مع مساع التحول إلى النظام الرئاسي وتركيز السلطة في يد السلطان.
ـ التاريخ الدموي للخلافة العثمانية ـ التي يحمل أردوغان وحاشيته الكثير من أفكارهم ـ بالتأكيد يجعل أوروبا تفكر كثيرا قبل الإقدام على اتخاذ قرار من شأنه السماح لملايين الأتراك بالاندماج في المجتمع الأوروبي، في ظل اتهامات موثقة بتورط النخبة الحاكمة في دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، ومرور بعض المتطرفين الذين نفذوا عمليات في أوروبا بتركيا التي تحضن الكثير من تلك العناصر.
ـ يتشدقون بدفاعهم عن الإسلام والمسلمين، في الوقت الذي يخالفون فيه تعاليم الشرعية ويعلنون تأييدهم لحقوق المثليين جنسيا والذين وصل تعدادهم ما يقرب من 3 ملايين تركي، كما يحرص أردوغان على دعوتهم إلى قصره سنويا في حفل افطار جماعي خلال شهر رمضان الذي له مكانة خاصة في شعائر المسلمين الأسوياء.
ـ تم الإعلان عن ترشيح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2005 أي بعد وصول "العدالة التنمية" إلى سدة الحكم بثلاثة أعوام، وجرى فتح 14 ملفا للتفاوض حولها وبيان مدى استيفاء الأتراك للمعايير الأوروبية، منذ ذلك التاريخ لم يتم الانتهاء من أي من هذه الملفات، وسط معلومات بعقد جولة جديدة نهاية يونيو/حزيران 2016.
لا نشكك في تنامي ظاهرة الخوف من الإسلام في أوروبا والغرب بصفة عامة، ولكن أمثال أرادوغان وحاشيته الذين ينتمون إلى تيار "الإسلام السياسي" ويقدمون رؤية متطرفة للدين الإسلامي، هي التي تساهم في تنامي هذه الظاهرة، وأن سياسة ابتزاز أوروبا بالتطرف والمهاجرين اللاجئين الأبرياء الباحثين عن ملاذ آمن، لا تعكس خلق الإسلام والمسلمين بل تشير إلى انحدار أخلاقي وأداء سياسي سيئ لا يعكس أي خلق ديني أو عقائدي سليم.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)